أوليمب دو غوج: رائدة نسوية، شهيدة الثورة الفرنسية
ترجمة: عبد الله فاضل
تحتل أوليمب دو غوج مكانة محترمة في تاريخ الفكر النسوي لأنها تعتبر من رائدات النساء المطالبات بحقوق النساء. برز اسمها في فترة الثورة الفرنسية، التي ذهبت ضحيتها في نهاية المطاف مع عدد كبير من الناس في الفترة المعروفة بعهد الإرهاب خلال حكم روبسبير. وتأتي شهرة أوليمب دو غوج من "إعلان حقوق المرأة والمواطنة" الذي كتبته على غرار "إعلان حقوق الإنسان والمواطن" (1789) الذي أصدرته الجمعية التأسيسية الوطنية بعد الثورة في فرنسا. وعلى الرغم من شيوع ترجمة الإعلان بـ"إعلان حقوق الإنسان والمواطن" فإن استخدام كلمة (Homme) الفرنسية التي تعني إنسان وتعني رجل في الوقت نفسه، واستخدام كلمة (citoyen) التي تعني (مواطن) بصيغة المذكر، لأن الفرنسية تحتوي صيغتي المذكر والمؤنث، فإن من الممكن تفسير الإعلان على أنه "إعلان حقوق الرجل والمواطن" وبذلك تستبعد منه النساء والمواطنات. الأمر الذي دفع، ربما، أوليمب دو غوج لكتابة إعلانها "حقوق المرأة والمواطنة".
المقال الذي نقدّم ترجمته هنا يتضمن "حقوق المرأة والمواطنة" وملحقين. وهو مأخوذ من كتاب "الثورة الفرنسية وحقوق الإنسان: موجز تاريخي وثائقي" وهو مترجم إلى الإنكليزية على يد (Lynn Hunt) وصادر في العام 1996 عن (Boston/New York Bedford/St. Martin's).
عبدالله فاضل
ماري دو غوج
كانت ماري غوز (1748-1793) ابنة جزّار من جنوب فرنسا، وقد علّمت نفسها تعليما ذاتياً، وكتبت باسم مستعار هو أوليمب دو غوج كرّاسات ومسرحيات حول قضايا متنوّعة، بما في ذلك حول العبودية التي هاجمتها من منطلق أنها تقوم على الجشع والتحيّز الأعمى. في هذا الكرّاس تقدّم إعلاناً بحقوق المرأة ليكون موازياً لإعلان حقوق الرجال، وهي بذلك تنتقد ممثلي الشعب لأنهم أغفلوا النساء. وجّهت الكرّاس إلى الملكة ماري أنطوانيت، مع أنها حذّرت الملكة من أنها يجب أن تعمل لصالح الثورة أو تخاطر بتحطيم الملكية برمتها. وفي الملحق الذي ترفقه بهذا الإعلان، تدين المعاملة التقليدية للنساء وكأنّهن أشياء يمكن التخلّي عنها بسهولة. وقد ألحقت به أيضاً نموذجاً لعقد زواج ينصّ على الملكية المشتركة للممتلكات في الزواج. في عام 1793 أرسلت دو غوج إلى المقصلة بتهمة معاداة الثورة وأُدينت بأنها امرأة "غير طبيعية".
إعلان حقوق المرأة والمواطنة
ديباجة:
إن الأمهات والبنات والأخوات، ممثلات الأمّة يطالبن باعتبارهنّ جمعيةً وطنيةً. وبما أن الجهل بحقوق المرأة أو إهمالها أو احتقارها، هي الأسباب الوحيدة للبلايا العامة والفساد الحكومي، فقد قررن أن يضعن في إعلان متّزن حقوق المرأة الطبيعية والمقدسة وغير القابلة للتصرف: وحيث أن حضور هذا الإعلان دائماً أمام أعين جميع أعضاء الهيئة الاجتماعية، فإنه يمكن أن يذكّرهم دائماً بحقوقهم وواجباتهم؛ وحيث أن الأفعال الناشئة عن سلطات النساء والرجال، من خلال إخضاعها في كل لحظة للمقارنة مع هدف أية مؤسسة سياسية وجميع المؤسسات السياسية، يمكن أن تحظى بأكمل احترام؛ وحيث أن مطالب المواطنات، من خلال إقامتها من الآن فصاعداً، على مبادئ بسيطة ولا جدال فيها، يمكن دائماً أن تميل نحو الحفاظ على الدستور، والأخلاق الحسنة والرفاه العام؛
ونتيجة لذلك، فإن الجنس المتفوّق في الجمال والشجاعة، اللازمة لتحمّل آلام الأمومة، يقرّ ويعلن، بحضور الكائن الأسمى وتحت رعايته، حقوق النساء والمواطنات الآتية:
1- تولد المرأة حرّة وتبقى مساوية للرجل في الحقوق. ولا يمكن إقامة أية امتيازات اجتماعية إلا على المنفعة العامة.
2- إن الغاية من كل جمعية سياسية هي حفظ حقوق النساء والرجال الطبيعية التي لا جدال فيها. وهذه الحقوق هي الحق في الحرية والتمّلك والأمان وعلى وجه الخصوص الحق في مقاومة الاضطهاد.
3- إن مبدأ السيادة يكمن برمّته وأساساً في الأمّة، والأمة ليست سوى إعادة وحدة المرأة والرجل. ولا يحقّ لأي شخص أو أي فرد أن يمارس سلطةً لا تنبع صراحةً من ا لأمّة.
4- تكمن الحرية والعدالة في استعادة كل ما يعود لشخص آخر؛ ولذلك فممارسة المرأة لحقوقها الطبيعية لا تحدّها إلا تلك الحدود التي يعترض عليها طغيان الرجل الأزلي. ويجب إصلاح هذه الحدود وفق قوانين الطبيعة والعقل.
5- تحرّم قوانين الطبيعة والعقل جميع الأفعال المؤذية للمجتمع. ولا يجب وضع أية عقبة أمام أي شيء غير محظور بموجب هذه القوانين الحكيمة والسماوية، كما لا يجوز إجبار أي شخصٍ على القيام بما لا تتطلبه تلك القوانين.
6- ينبغي أن يكون القانون هو التعبير عن الإرادة العامّة. وينبغي أن تشارك جميع المواطنات والمواطنين في صنع القانون، سواء شخصياً أو عبر ممثليهم. ويجب أن ينطبق القانون ذاته على الجميع. وينبغي أن تكون كلّ المواطنات والمواطنين، المتساوين أمام القانون، على قدم المساواة في الوصول إلى المناصب والوظائف العامّة، بحسب مقدراتهم، وبدون أي تمييز سوى ذاك القائم على فضائلهم ومواهبهم.
7- لا يمكن اتهام أية امرأة من دون استثناء، أو اعتقالها أو احتجازها إلا في الحالات التي يقررها القانون. وتطيع النساء كما الرجال هذا القانون الصارم.
8- لا يقرّ القانون إلا العقوبات الضرورية على نحو دقيق وواضح، ولا يمكن معاقبة أي فرد إلا بموجب قانون جرى اقراره ونشره قبل وقت ارتكاب الجريمة، ويكون مطُبّقاً قانونياً على النساء.
9- إذا ثبتت التهمة على امرأة، كلّ الصرامة التي تمارس عليها تكون بموجب القانون.
10- لا تجوز مضايقة أي شخص نتيجة آرائه الأساسية؛ والمرأة التي لها الحق في اعتلاء المقصلة، ينبغي أن يكون لها الحق بالتساوي في اعتلاء المنبر، شريطة ألّا تتسبب هذه التعبيرات عن الرأي في الإخلال بالنظام العام على النحو الذي أقرّه القانون.
11- إن إعلان الأفكار والآراء بحرية هو أحد أثمن حقوق المرأة، لأن هذه الحرية تؤكّد اعتراف الآباء بأبنائهم. وهكذا، يجوز لكل مواطنة أن تقول بحرية، أنا أمّ طفلك؛ وينبغي ألا يجبر أيُّ تحامل بربري [ضد المرأة غير المتزوجة التي تنجب أطفالاً] تلك المرأة على إخفاء الحقيقة، طالما أن هناك قبول بتحمل المسؤولية عن أيّ سوء استعمال لهذه الحرية في الحالات التي يقررها القانون [لا يحق للنساء الكذب بشأن أبوّة أبنائهن].
12- إن ضمان حقوق المرأة والمواطنة يتطلب سلطات عامة. وتُؤسَّس هذه السلطات لمصلحة الجميع، وليس لمصلحة أولئك الذين يُعهد إليهم بها.
13- من أجل المحافظة على السلطة العامة ومن أجل نفقات الإدارة، تفرض الضرائب على النساء والرجال على نحو متساو؛ تشارك المرأة في جميع خدمات العمل القسري، وفي جميع المهمات الموجعة؛ ويجب بذلك أن تنال النسبة ذاتها في توزيع الأماكن والتوظيف والمكاتب والمناصب والصناعة.
14- يحقّ للمواطنات والمواطنين، بأنفسهم أو عبر ممثليهم، أن تبيّن لهم ضرورةُ الضرائب العامة. ويحق للمواطنات ألا يوافقن عليها إلا بعد القبول بالتوزيع المتساوي، لا في الثروة فقط، بل وفي الإدارة العامة أيضاً، وأن يقررن وسائل تعيين الضرائب وتقييمها وجمعها واستمراريتها.
15- إن جمهور النساء، بانضمامه إلى الرجال في دفع الضرائب، له الحق في مساءلة كل موظف عام في الإدارة.
16- أي مجتمع ليست الحقوق فيه مضمونة أو ليس فيه فصل للسلطات هو مجتمع لا دستوري. وكل دستور لا تشارك أغلبية الأفراد الذين يشكلون الأمة في صياغته هو دستور باطل ولاغ.
17- الملكية حق للجنسين سواء متحدين أو منفصلين؛ وهي حق مقدس ولا يُمس لكل منهما، ولا يجوز تجريد أحد منها باعتبارها إرثاً طبيعياً حقيقياً، إلا حين تقتضي الضرورة العامة ذلك على نحو واضح، وبموجب القانون، وبشرط تقديم تعويض عادل مقدماً.
ملحق:
أيتها النساء، استيقظن؛ ناقوس العقل يُقرع عبر العالم؛ أدركن حقوقكن. ما عادت امبراطورية الطبيعة الجبّارة محاطة بالتحامل والتعصّب والخرافة والأكاذيب. ولقد بدّد مشعل الحقيقة جميع غيوم الجهل واغتصاب الحقوق. لقد ضاعف الرجل المُستعبَد من قوته ويحتاج إلى قواك ليكسر قيوده. لكنه، وقد صار حراً، صار أيضاً ظالماً نحو شريكته. آه، أيتها النساء، أيتها النساء، متى ستتوقفن عن كونكن عمياوات؟ أية منافع حصلتن عليها من الثورة؟ احتقار أوضح وازدراء بارز للعيان. خلال قرون الفساد لم تكوني تتحكمين إلا بضعف الرجال. إمبراطوريتك مُدمَّرة؛ ما الذي تبقى لك إذن؟ الإيمان الراسخ بظلم الرجال. المطالبة بإرثك القائم على إرادة الطبيعة الحكيمة؛ فلماذا تخشين هذا المسعى الجميل؟ فمهما كانت العراقيل الموضوعة أمامك، بقوّتك تتغلبين عليها؛ ليس عليك إلا أن تريدي ذلك. دعينا ننتقل الآن إلى الوصف المروّع لما كنت عليه في المجتمع؛ وبما أن التعليم الوطني هو إحدى القضايا المطروحة الآن، دعينا نرَ إن كان مشرّعونا الحكماء سيفكرون بعقلانية حول تعليم النساء.
لقد فعلت النساء الأذى أكثر مما فعلن الخير. ولقد كان العنت والرياء من نصيبهن. مهما كانت القوة التي انتزعت منهن، فقد عادت إليهن المكيدة؛ لقد لجأن إلى جميع قدرات مفاتنهن، ولم يقاومهن حتى أطهر الرجال. بالسم، بالسيف، تحكّمت النساء بكل شيء؛ لقد استدعين من الجرائم بقدر ما استدعين من الفضائل. وعلى مدى قرون، اعتمدت الحكومة الفرنسية، على وجه الخصوص، على إدارة النساء الليلية؛ لم يكتم الموظفون الرسميون أية أسرار عن رعونتهن؛ وظائف السفراء، القيادات العسكرية، الكهنوت، رئاسة [البلاط]، البابوية، كلية الكرادلة، باختصار، لقد أُسلِمَ كل ما يميّز حماقة الرجال، دنيوياً كان أم مقدساً، إلى جشع وطموح هذا الجنس الذي اعتبر سابقاً خسيساً ومحترماً، واعتبر منذ الثورة، جديراً بالاحترام ومحتقراً...
في ظل النظام السابق، كان الجميع يعتبرون آثمين، الجميع مذنبين... وكان على المرأة أن تكون جميلة وأنيسة فقط لا غير؛ وكانت، حين تتمتع بهاتين المزيتين، ترى مئات الثروات عند قدميها... كانت أوضع امرأة تستطيع أن تجعل من نفسها محترمة بالذهب؛ وكانت التجارة بالنساء [الدعارة] نوعاً من الصناعة بين أعلى الطبقات، لكنها من الآن فصاعداً لن تحظى بأي تقدير. وإن كانت ماتزال تحتفظ بالتقدير، فهذا يعني أن الثورة ستضيع، وسنبقى فاسدين في الوضع الجديد. هل يستطيع العقل أن يخفي حقيقة أن أي طريق آخر إلى الثروة مغلق على امرأة يشتريها رجل، يشتريها مثل أَمَةٍ من شواطئ أفريقيا؟ الفارق بينهما كبير؛ وهذا معروف. الأَمَة [أي المرأة] تتحكم بسيدها، لكن إذا أعطاها السيد حريتها بلا تعويض وفي عمر تكون فيه قد فقدت كل مفاتنها، فما الذي ستصبح عليه هذه المرأة التعسة؟ ألعوبة الازدراء؛ حتى أبواب الإحسان مغلقة في وجهها؛ إنها فقيرة وعجوز، يقولون؛ لماذا لم تعرف كيف تجني ثروتها؟
يمكن تقديم أمثلة أخرى مؤثرة أكثر للعقل. فتاة شابة بلا خبرة، يغويها رجل تحبه، تهجر أبويها لتتبعه؛ يتركها العاقّ بعد بضع سنوات، وكلما أمضت معه سنوات أكثر كان تقلّبه أكثر قساوةً. وحتى لو كان لديها أطفال، فسيهجرها. وإذا كان غنياً، فسيعتقد أنه في حلٍّ من مشاركة ثروته مع ضحاياه النبيلات. وإذا كان تعهّدٌ ما يربطه بواجباته، فسيخرقه معتمداً على دعم القانون له. وإذا كان متزوجاً، فكل واجب آخر يفقد قوته. فأية قوانين يجب سنّها حتّى تستأصل الرذيلة من جذورها؟ إنها تلك التي توزّع ثروات [العائلة] بين الرجال والنساء بالتساوي وتلك الخاصة بالإدارة المشتركة لأموالهما. من السهل تخيّل أن امرأة مولودة لعائلة غنية ستحصل على الكثير من التقسيم المتساوي للملكية [بين الأبناء]. ولكن ماذا عن المرأة المولودة لعائلة فقيرة تتمتع باللياقة والفضيلة؛ ما هو نصيبها؟ الفقر والعار. إذا لم تكن ماهرة في الموسيقا أو الرسم، فلا يمكن قبولها في أية وظيفة عامة، حتى لو كانت مؤهلة تماماً...
الزواج قبر الثقة والحب. المرأة المتزوجة يمكن أن تمنح زوجها أولاد حرام بكل حصانة، بل وحتى ثروة العائلة التي لا تعود إليهم. أما المرأة غير المتزوجة فليس لها إلا حق واهن: فالقوانين القديمة والقاسية تنكر عليها الحق في منح أطفالها اسم والدهم وأمواله؛ لم تصدر أية قوانين جديدة حول هذه المسألة. إذا كان منح بنات جنسي تطابقاً عادلاً وكريماً يعتبر في هذا الوقت غير مألوف من جهتي ومحاولة لبلوغ المستحيل، فإنني أترك لرجال المستقبل مجد معالجة هذا الأمر؛ لكن في أثناء انتظارنا، يمكن أن نمهّد الطريق بالتعليم الوطني، باستعادة الأخلاق وبالزواج القائم على الاتفاق.
نموذج عقد اجتماعي بين رجل وامرأة
نحن،........... و................، وبدافع من إرادتينا الحرّتين، نتّحد طوال حياتنا وطوال استمرار رغبتينا المتبادلتين وبموجب الشروط الآتية:
إننا ننوي ونرغب في جعل ثروتنا ملكيةً مشتركة، مع المحافظة على الحقّ في توزيعها على أولادنا وعلى أولئك الذين يمكن أن نحمل نحوهم عاطفة خاصة، ونعترف على نحو متبادل بأن أموالنا تعود مباشرة لأطفالنا، مهما كان السرير الذي جاؤوا منه [شرعيين أم لا]، وأن لهم جميعاً، من دون تمييز، الحقّ في حمل أسماء الآباء والأمهات الذين اعترفوا بهم، ونفرض على نفسينا واجب الرضى بالقانون الذي يعاقب أيّ رفض لدم الشخص [رفض الاعتراف بولد شرعي]. وإننا نلتزم، بالمثل، في حالة الانفصال، بتوزيع ثروتنا بالتساوي وبأن نضع جانباً الحصة التي يخصصها القانون لأولادنا. وفي حالة الاتحاد التام، فإن الشخص الذي يموت أولاً يمنح نصف ممتلكاته للأولاد؛ وإذا لم يكن هناك أولاد، فإن المتبقي منهما على قيد الحياة يرث بحسب حقه في ذلك، ما لم يكن الشخص المتوفي قد تصرّف بنصف ممتلكاته المشتركة لصالح شخص ما يراه ملائماً.