إشكالية القانون رقم 10 والازدواجية التّشريعية في التخطيط الحضري

إشكالية القانون رقم 10 والازدواجية التّشريعية في التّخطيط الحضري

المحامي عارف الشعَّال- مركز المواطنة المتساوية

من أهم الإشكاليات التي أثارها إصدار القانون 10 لعام 2018، أنّه أصبح نافذاً في سورية أسلوبين لتنظيم المدن، أو ما يُسمّى في الأدبيات الأممية بالتّخطيط الحضري، وهذان الأسلوبان يحكمهما قانونان مختلفان أحدهما عام والآخر استثنائي، هما:

  1. القانون العام للتّنظيم والعمران رقم 23 للعام 2015، وهو قانون حديث نسبياً لم يمض على إصداره أكثر من ثلاث سنوات.
  2. القانون الاستثنائي للتّنظيم والعمران رقم 10 للعام 2018.

ولا يشفع لإصدار القانون 10، وبالتّالي خلق هذا الاضطراب التّشريعي الغريب بتخصيص أكثر من قانون لمعالجة نفس الحالة!، الحاجة لإعادة الإعمار عقب الحرب الضّروس التي شهدتها سورية، لأنّ قانون تنظيم المدن العام النافذ رقم 23 لعام 2015، يمكن أن يشمل المناطق التي لحقها الضّرر نتيجة الحروب، (المادة 5/ آ)، إضافة لشموله مناطق المخالفات الجماعية،أو ما تُسمّى بالمستوطنات غير القانونية، وذلك بقرار من الوحدة الإدارية، ودون الحاجة لصدور مرسوم (المادة 3)، ويشمل كذلك أية منطقة ترغب الجهة الإدارية تنفيذ المخطّط التّنظيمي العام والتّفصيلي المتعلّق بها. (المادة 5/ ج).

وقد أكَّدَ المشرّع أن القانون 10/2018 هو الاستثنائي عندما نصَّ في المادة /63/ منه على وجوب تطبيق أحكام القانون رقم 23/ 2015 في كلّ ما لم يرد فيه نصّ في هذا القانون، ما يعدُّ إشارة واضحة أنّه القانون العام في تنظيم وعمران المدن.

هذه الازدواجية التّشريعية الغريبة تطرح تساؤلاً محقّاً حول الغاية من إصدار القانون 10/ 2018، بدلاً من الاتكاء على القانون 23/2015، أو تعديله إن لمْ يكن يفِ بمتطلبات التّنظيم والعمران، لا سيما وأنه لا يوجد أية معايير تلزم السّلطة التّنفيذية بتطبيق أياً من هذين القانونين على المنطقة المستهدف تنظيمها، بحسبان أنّ إحداث المنطقية التّنظيمية يتمّ بموجب مرسومٍ عادي (تنظيمي وليس تشريعي) وفق كلا القانونين!.

ناهيك عن وجود قانونٍ ثالثٍ نافذٍ أيضاً خاصّ بتنظيم مناطق المخالفات العشوائية، صدر بتاريخ 23 كانون الأول عام 2008 يحمل الرقم /33/.

في الواقع، إنّ عدم وجود إجابة واضحة على هذا التساؤل يتسبّب بإشكالية الافتقار لمعيار صريح يقضي بتطبيق أيّاً من هذين القانونين على المناطق التنظيمية المزمع إحداثها، وترك هذه المسألة لمطلق تقدير السّلطة التّنفيذية تنتقي أياً منهما على هواها، بحسبان أنّ تطبيق أحكام القانون 10/2018 يتسبب بالتغوّل على الملكية الخاصّة في المنطقة التنظيمية بسبب الاقتطاع المجاني المفتوح الذي يمكن للوحدة الإدارية أن تستأثر به لنفسها من عقارات المنطقة، والآلية القسرية للتصرّف بالأسهم التنظيمية المفروضة على الملاّك!.

ولا ينفي هذه الإشكالية اعتبار (الجدوى الاقتصادية المعتمدة) التي نصَّ عليها القانون 10/2018 في مادته الأولى كغطاء للوحدة الإدارية أن تقتطع لنفسها مجاناً العقارات التي تريدها من المنطقة التّنظيمية المستهدفة، معياراً يصلح للتّفرقة في تطبيق أياً من القانونين، بسبب السّلطة التّقديرية المطلقة للسّلطة التّنفيذية باختيار أحدهما بعيداً عن أية رقابة تشريعية أو قضائية عليها![1].

في الواقع، هذا القصور التّشريعي بعدم منح القضاء سلطة رقابية على أعمال الإدارة، ومنحها سلطات تقديرية مطلقة، بات ظاهرة ملحوظة في السّياسة التي تنتهجها السّلطة التّشريعية وهذه إحدى سلبيات هذا القانون وغيره من التّشريعات، إذ يقول الأستاذ في كلية الحقوق بجامعة دمشق، ورئيس مجلس الدولة الأسبق الدكتور عبد الإله الخاني أنّه: «بتمادي الزّمن تتعاظم السّلطة التّقديرية للإدارة، وللعلّة ذاتها تنمو الرّقابة القضائية على أعمال الإدارة، لأنّ مقابل كل سلطة تقديرية، يجب فرض رقابة تتناسب معها»[2].

وهذا ما بتنا نفتقد إليه في الحياة الحقوقية السورية، فهناك تعاظم واسع للسّلطة التنفيذية وتضاؤل للرقابة القضائية، وهذه إحدى القُطب المخفية في الأزمة السورية.



[1]سبق للقضاء الإداري أن رفض الطعن بقرار تنظيم منطقة بحجة استناده لتفويض تشريعي، فقال: ((إن قرار البلدية بتطبيق قانون تنظيم وعمران المدن على عقارات، هو قرار من نوع تنظيمي يصدر بتفويض من المشرع، وإن أمر النظر في الوقوعات الناشئة عنه والجارية تطبيقاً للقانون المذكور المتضمن أصل التفويض بهذا التنظيم يخرج عن اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري......)) {مجلس الدولة – دائرة فحص الطعون - قرار 121 لسنة 1976}

[2]{موسوعة القانون الإداري – ط 2 –ج 1 ص16}