إلغاء المادة 548 .. هل جاء نتيجة دورٍ نضالي؟
تحقيق صحفي - عمران أبو محسن
أثار تعديل قانون العقوبات والذي ألغى المادة 548، المتعلقة بجرائم الشرف، جدلاً واسعاً ضجت به مواقع التواصل الاجتماعي عقب إلغاء تلك المادة، حيث اختلفت الآراء حول الجهود الحقيقية التي وقفت وراء ذلك التعديل، إذ رأى البعض أنه جاء نتيجة دورٍ نضالي، لعبته المنظمات النسوية والحقوقية، شكل ضغطاً على صناع القرار، فيما رأى البعض الآخر أن ذلك التعديل قد جاء بقرار رئاسي لم يأخذ بأية مطالبٍ نضالية.
وبحسب الباحثة والناشطة في مجال حقوق المرأة سوسن زكزك: "بدأت المطالبة بإلغاء المادة 548 من قبل النسويات منذ زمن طويل، فمنذ عام 2006 تشكلت حملة كبيرة تنادي بذلك المطلب، ولم يقتصر الأمر على الحملات فقط وإنما جرت المطالبة بذلك من خلال جميع تقارير الظل المقدمة للجنة سيداو، ونتيجة لما ذكر تم إلغاء هذه المادة ولكن من الطبيعي أن يتم الأمر عن طريق مشروع قانون محال من رئاسة الجمهورية إلى مجلس الشعب".
وتتوافق الكاتبة والناشطة في مجال حقوق المرأة أنجيل الشاعر مع الرأي السابق حيث تقول "ظاهرياً هو قرار خرج من رئاسة الجمهورية أو يمكننا تسميته إرادة سياسية ، أما حقيقة التعديل فقد أتت نتيجةً لجهود عمل ونضال النسويات والنسويين والحقوقيات والحقوقيين والمنظمات المدنية والنسوية على مدار أعوام". كما ترى أن انتشار جريمة الشرف في الآونة الأخيرة قد "أوجد ضجة إعلامية عالمية كبيرة شكلت وسيلة ضغط غير مباشرة على السلطة السياسية وهو ما ساهم أيضاً في تعديل تلك المادة".
من جهتها تدعم الحقوقية المختصة في قضايا النساء (راغدة ع) الرأيين السابقين عبر سردها جانباً مما أسمته بـ "التاريخ النضالي النسوي" : "لم يكن نضال النسويات وليد اليوم وإنما بدأ منذ عام 2009 حيث ثارت معظم المنظمات النسوية وبالأخص (مرصد نساء سوريا) على قرار محكمة الجنايات التي أصدرت حكماً ببراءة شقيق الفتاة (زهرة العزو) البالغة من العمر 16 عاماً والذي قتلها بداعي الشرف وغسل العار. وقد أصبح تاريخ 29 تشرين الأول- تاريخ صدور الحكم- يوماً عالمياً للتضامن مع ضحايا جرائم الشرف". وتضيف: "قد شكل ذلك التاريخ الخطوة الأولى لنضال النسويات والتي قطفت أولى ثمارها في العام ذاته إذ عدلت المادة 548 المتعلقة بجرائم الشرف فبات القاتل بهذا الدافع يحكم سنتين، ثم عدلت في عام 2011 لتصبح العقوبة من خمس إلى سبع سنوات ومن ثم توالى النضال حتى يومنا هذا ليقطف ثماراً جديدة بإلغائه لتلك المادة".
على النقيض من الآراء السابقة لا ترى الناشطة في قضايا المرأة (مانيا ن) أن تعديل القانون جاء نتيجة أي دور نضالي أو مطلبي فاعل ومؤثر على مراكز صنع القرار: " لم يأت قرار التعديل نتيجة نضال النسويات والحقوقيات، إذ لم يسبقه أي حملة واسعة النطاق أو تحرك مطلبي مشهود، سواء على أرض الواقع أو عبر وسائل التواصل الاجتماعي". وتضيف: "الأمر ببساطة جاء بقرار سلطوي رأى بأنها مرحلة مناسبة لتعديل القانون بما يتماشى مع سياسته ومصالحه، وذلك لا يتعدى كونه مجرد حركة دعائية وبريستيج سياسي هدفه تلميع صورة صناع القرار، خاصة أنه جاء بالتزامن مع مناسبة يوم المرأة".
وترى بأنه ليس هناك أي دور فعلي وجوهري للمنظمات والجمعيات النسوية حيال ما تعانيه المرأة من العنف والاضطهاد: "لا تبذل أي جهد يذكر لدعم المرأة والوقوف إلى جانبها للتصدي للعنف وإنقاذها منه -على الرغم من أنها تستطيع حشد معظم النساء في سوريا إلى صفوفها- إنما فقط تتحدث عن حقوق النساء وعن العنف الممارس بحقهن دون أن تقدم الحلول الناجعة والتأثير الفعلي والمطلوب والمساعدة الحقيقية والمجدية لهن لإحداث التغيير المنشود في حياتهن". وتعزو الناشطة سبب ذلك إلى أن تلك المنظمات والجمعيات "ليس لديها الخبرة أو القدرة على التغلل في عمق المجتمع، لتشخيص المشكلة عن كثب، ولا تحظى بالثقة المطلوبة والقاعدة الشعبية اللازمة ولا تقدم للمرأة أي دعم قانوني أو مجتمعي، كما أن معظم كوادرها من النخبة المثقفة البعيدة عن رصد الواقع الحقيقي للنساء والتي لا يمكنها الوصول الفعلي للمعنفات والمهمشات في المجتمعات التقليدية والمحافظة والتي تفرض عليهن الكثير من المعاناة والقيود".
ويتوافق رأي الباحثة في قضايا الجندر (ميساء ج) مع الرأي السابق حيث تقول: "لم يتم تعديل مسودة القانون من قبل المطالبين بتعديله (المحامون والنسويات والمعنيين في شؤون المرأة) ليتم رفعه لمجلس الشعب بغية دراسته وتعديله وإنما خرج من رئاسة الجمهورية إلى المجلس بشكل روتيني كغيره من القوانين التي عدلت بقرار جمهوري ما يعني أنه لم يعدل نتيجة لأي ضغط أو نضال".
وترى أن معظم الجمعيات والمنظمات الحقوقية والنسوية "انحصر دورها فقط بتسليط الضوء على موضوع جرائم الشرف من خلال الشعارات والتنديد دون أن تشكل أي تأثير أو ضغط يذكر على المشرعين وأصحاب القرار طيلة السنوات السابقة، رغم وجود الكثير من الحقوقيات والمحاميات المختصات في شؤون المرأة في صفوفها". وتتساءل الباحثة: "هل تكفل تلك الجمعيات والمنظمات الحماية اللازمة للمرأة إن أرادت الوقوف في وجه زوجها الذي يضطهدها أو التصدي لمن يعنفها وفضح أشكال العنف الممارس بحقها؟، وإن هربت من معنفيها أو خرجت من بيتها فهل ستضمن لها السلامة والرعاية والدعم القانوني والمكان الآمن الذي يمكنها أن تأوي إليه؟".
ما بعد القانون:
يتساءل البعض إن كان تعديل القانون سيشكل خطوة أولية نحو نيل المرأة مزيداً من حقوقها المسلوبة وسينقذها فعلياً من العنف الممارس بحقها وسيفتح الباب أمام تعديل المزيد من القوانين المشابهة، وتتباين الآراء حول ذلك بين من يبصر أملاً كبيراً وبين من لا يرى أي شيءٍ يدعو للتفاؤل. فبحسب الناشطة سوسن زكزك: "هذا التعديل سينقذ المرأة من العنف، خاصة أن أعداد ما يسمى بجرائم الشرف قد تفاقمت بشكل كبير خلال السنوات الماضية، ويعتبر نقلة نوعية وخطوة مهمة نحو تعديل المزيد من القوانين المجحفة بحق المرأة خاصة أن الإرادة السياسية التي ألغت هذه المادة قد توفرت عن أصحاب القرار".
فيما ترى الكاتبة أنجيل الشاعر أن ذلك "يتوقف على تنفيذ القانون وتطبيقه بشكل فعلي"، وبرأيها هذا الأمر "ربما يكون صعباً في الوقت الراهن في ظل غياب القانون العام"، ولكن رغم ذلك قد يشكل هذا التعديل "خطوة إيجابية تحد من العنف وتردع مرتكبي جرائم الشرف"، لأن أي تعديل قانوني "يعتبر حركة إصلاحية لصالح النساء وحقوقهن" وتدعم ذلك بقولها: "منذ زمن بعيد وهذا الحجر جاثم في مكانه لا يتحرك، وإذا استطعنا إزاحته بعضاً من السنتيمترات فهي نقطة تحول لصالحنا".
وتأمل الكاتبة ألأ يكون هذا التعديل "مجرد إبرة مخدرة أو جائزة ترضية للمرأة"، لإنه في هذه الحالة "لن يكون له أي معنى".
من جهة أخرى لا ترى الباحثة (ميساء ج) أن ذلك التعديل سيحل المشكلة بشكل جذري وينقذ المرأة من العنف الذكوري فهو "قد يردع الجاني بشكل نسبي لكنه لا يضمن حماية الضحية". وتضيف "لا يقتصر تعنيف المرأة وإلحاق الأذى بها على جريمة الشرف فالعنف موجود في كل تفاصيل حياتها ويميتها في اليوم آلاف المرات لذا يبقى هذا القانون ناقصاً في ظل وجود قوانين أخرى لا تقل ظلماً وإجحافاً بحقها كالقانون الذي ينجي المغتصب من العقاب إذا ما تزوج من اغتصبها بالإضافة لكثير من المواد التي يتضمنها قانون العقوبات".
فيما ترى الناشطة (مانيا ن) أن ذلك التعديل "لن يشكل أي تأثيرعلى المجتمع وقد لا يحدث أي فارق نوعي في حياة المرأة وربما سيبقى مجرد حبر على ورق". وتبرر ذلك بقولها: "المشكلة ليست محصورة في القوانين فقط، فالأخيرة لا تستطيع كبح سلطة المجتمع والدين والعادات، وبالتالي لن يكون لها أي معنى طالما أن المرأة ترزخ تحت وطأة آلاف القيود المفروضة عليها من قبل تلك السلطة والتي تحاصرها منذ طفولتها وتسلبها أبسط حقوقها كتلك المتعلقة بطبيعة اللباس والحركة والحرية الفكرية والجسدية والعلاقات الاجتماعية والعاطفية".
يبقى القانون المعدل، على الرغم من أهميته، مجرد خطوةٍ أولى من طريق شائك وطويل، مليء بالعقبات والتحديات، ينبغي على النساء أن يسلكنه بعزيمة وإصرار وأن يخضن صراعات ونضالات كبيرة على جبهات عدة، جبهة الدين، المجتمع، العادات والتقاليد، والقانون للوصول إلى حلمهن المنشود في نيل كافة حقوقهن والخلاص من جميع أشكال العنف والاضطهاد، والتمتع بالمساوة مع الرجل في كافة ميادين الحياة.
7 / 4 / 2020