اتفاقية السيداو وظلال التّأخر العربيّ

الإصدار الأوّل 2018/03/03

اتفاقية السيداو وظلال التّأخر العربيّ

المحامية شروق أبوزيدان- مركز المواطنة المتساوية

إنّ نضال المرأة ومطالبتها بحقوقها، وبالمساواة بالحقوق المدنية والسياسية، والتكافؤ بالحياة العامة الاجتماعية والثقافية والاقتصادية للرّجل، نضالٌ قديم. لكنّ الصراعات المريرة التي خاضتها المرأة من خلال النسْويات أو منظمات المجتمع المدني، تكلّلت في نهاية المطاف بصيغةٍ قانونيةٍ عالمية، تضمن عدم التمييز ضدّ المرأة. وتُعتبر خطوة رئيسة نحو تحقيق هدف منح المرأة المساواة في الحقوق.

هذه الصيغة هي اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضدّ المرأة (السيداو)، التي صدرت في 18 كانون الأوّل/ ديسمبر 1979 من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة، ودخلت حيّزالتّنفيذ في 3أيلول/سبتمبر 1981. وقد جاءت هذه الاتفاقية ضمن ستة أجزاء وثلاثين مادةً،اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتّحدة، وعرضتها للتّوقيع والتّصديق والانضمام إليها من قبل الدول الراغبة في ذلك.

بلا ريب، قد وقعت مُعظم الدّول العربيّة على الاتفاقية، ولكن تحت الضّغوط العالمية وضغوطات المنظّمات النسْوية والمجتمع الدولي باستثناء السّودان والصّومال، وكان لابدّ من أن تترك كلّ دولة عربية بصمتها على هذه الاتفاقية، بتحفظها على بعض المواد فيها بحجة أنها تتعارض مع الشريعة الإسلامية التي تُبنى عليها معظم تشريعاتنا العربية، أو بحجة تعارضها مع القوانين الوضعية الداخلية لكل بلد. ومن الضرورة القول، بأنّ هذه التّحفظات تُجرّد الاتفاقية من مضمونها ومن غايتها، وتجعلها بلا معنى.

 التحفظات العربية المتماثلة في جوهرها، تعكس المنسوب المتدنّي للوعي الإنسانيّ والمدنيّ في  نظرة المجتمعات العربية للمرأة، إذ مازالت الهيمنة الذكورية فيها تُحدّد صورة المرأة. وباستعراضنا لهذه التّحفظات يكفي أن نأخذ نموذجاً واحداً لندلّل على طبيعتها.فقد تمّ التصديق والانضمام إلى الاتفاقية من قبل سورية بالمرسوم رقم /330/ تاريخ25/9/2002، مع 15 تحفظاً شمل مواداً وفقراتٍ منها. وأكثر ما يثير الجدل في هذه التحفظات هو التّحفظ على:

- المادة رقم (2)، والتي ضمّت خمس فقرات نصّت في مجملها على إلغاء أي تمييزٍدستوريٍّ وقانونيٍّ وتشريعيّ قد يكرس أي ممارسة تمييزية ضدّ المرأة، ووضع قوانين وتشريعات تعاقب على هذا التمييز. هذه المادة بمجملها تتعارض مع معظم التشريعات الوضعية في سورية، وتعارض أحكامها المبنية بشكل أو بآخر على مبادئ الشريعة الإسلاميّة، لكنّها لا تتعارض مع الدّستور السّوريّ الذي يكفل المساواة بين كل من يحمل الجنسية السورية بغض النظر عن الجنس.

لذلك صدر مؤخراً المرسوم 230/2017 الذي ينص على:

"يُلغى تحفّظ الجمهورية العربية السّورية على المادة الثّانية من اتفاقية القضاء على جميع أشكال التّمييز ضدّ المرأة "سيداو"، والمصدّق على الانضمام إليها بموجب المرسوم رقم /330/  تاريخ 25/9/2002، بما لا يتعارض مع أحكام الشّريعة الإسلامية". فالمادة تُقرّر إلغاء كلّ القوانين والتّشريعات والممارسات التي تُشكّل تمييزاً ضدّ المرأة. وأحد أهم مصادر التشريع للقوانين السّورية أحكام الشّريعة الإسلامية التي يجب ألّا يتعارض معها رفع الحظر. كيف يُمكن أنْ نثق أنّه سيتم تنفيذ بنود الاتفاقية بحذافيرها يوماً ما، طالما أنّنا لانزال تحت كنف الشّريعة الإسلامية بقوانيننا الوضعية وتشريعاتنا الوطنية، وبالطبع بعرفنا وتصرفاتنا وقناعات كثيرين منّا؟.

- ومن التّحفظات الملفتة أيضاً، التّحفظ على المادة (9) الفقرة الثانية التي تنصّ على:

" تُمنح الدّول الأطراف المرأة حقّاً مساوياً لحقّ الرّجل فيما يتعلق بجنسية أطفالهما". وهي تتعارض مع قانون الجنسية السّوري الذي يمنح الحقّ بمنح الجنسية السورية للدّم والإقليم، وبدون أدنى شك، حقّ الدّم هو حكر لدم الأب السوريّ لا الأمّ السوريّة، وهذا انتقاصٌ لحقّ المرأة في أطفالها والذي يجب أن يكون متساوياً بينها وبين الأب.

وقد جاء في تقريرالحكومة السّورية حول موقفها الرسميّ من التّحفظات التي أبدتها على اتفاقية السيداو عام2012 تبريرٌ واهٍ، إذ أنّه من السّهل دحضه. فقد جاء في الصفحة 62 من التّقرير "وعلى اعتبار أنّسورية في موقع جيوسياسيّ واستراتيجيّ بامتياز، فهي وإضافة إلى أﻧّﻬا مركز رئيسيّ للعبور بين عدّة قارات، إلاّ أﻧّﻬا دولة مفتوحة وتستقبل وتحتضن الوافدين، والمهجّرين، والفارّين من ويلات الحروب، وطالبي اللّجوء. وبالطبع تقع فيها زيجات كثيرة. ومن هنا تعرقل العمل بمنح أبناء السّورية جنسيتها لأولادها من غيرالسّوريّ من منطلق سياديّ وليس من منطلقت مييزي". وهو ما يمكن التّعبير عنه بأنّه "عذرٌ أقبح من ذنب".

- والتّحفظ على المادة (16) بالفقرات (ج- د- و- ز) والتي أكدّت على المساواة بكلّ ما يتعلّق بالحقوق والمسؤوليات في الولاية، والقوامة، والوصاية على الطّفل. وكذلك في الحقّ في اختيار اسم الأسرة. والبندالثّاني منها المتعلّق بخطوبة الطفل أو زواجه وذلك لتحديد سنّاً أدنى للزواج.

فحقّ المرأة بأطفالها محصور بالإنجاب كونه حقّ طبيعيّ لا شأن للمشرّع والقانون به، أمّا ما يُمكن أن يتفرّع عن هذا الحقّ من حقوق إنسانيّة وقانونيّة تمسّ الطّفل، فلا شأن للمرأة فيه. كما يجب على المرأة والطّفل أنْ تكونا تحت كنف رجلٍ يعترف به، ويعطيه جنسيته، واسمه، ووصايته، وحقوقه كاملةً، وإلاّ اعتبر هذا الطّفل مثل أمّه، محل نكران وسخط المجتمع.

إنّ كافة التّحفظات تنصبّ على جوهر الاتفاقية، وعلى سبب وجودها الرئيسيّ، ممّا يدفعنا للقول أنّ الدّول العربية لم تكن جدّيةً في تنفيذ الاتفاقية، إنّما الاعتبارات الدولية دفعتها للمصادقة عليها. ومن الضرورة التنويه إلى أنّ معظم أفراد المجتمع، وخصوصاً النّساء، لم يكونوا/ن على علم بهذه الاتفاقية، بسبب عدم نشر التّوعية بشأنها، أو نشرها في الصحف والمجلات ووسائل التّواصل، أو أية وسيلةٍ إعلاميةٍ مسموعةٍ أو مرئيةٍ للتعريف بها وشرحها وشرح بنودها وأهدافها.

إنّ تهميش المرأة وإقصائها في مجتمعاتنا، ناتج ومنتج لثقافة يُشكّل الإلغاءُ حدودَها، وهذا الإلغاء سينتج بحكم طبيعته آلياتِ التّعصب والعنف، فمن دون ثقافة اعتراف لا يمكن للمجتمعات أن تُنتج سوى تأخرها وتخلّفها. فمن أين نبدأ إذا أردنا أن ننهض بمجتمعاتنا إلى التقدم والحداثة: من تعديل القوانين أم من تمكين المرأة؟.