افتتاحية الإصدار الأول 3 آذار 2018

افتتاحية الإصدار الأول- الواجب الأخلاقيّ
03/03/2018

المحامي فائق حويجة- رئيس مجلس الإدارة في مركز المواطنة المتساوية

 

للمرة الثالثة نقص شريط موقع مركز المواطنة المتساوية.

في المرتين السابقتين ضاع الموقع، وفشلنا - لن نحمل أحداً أسباب الفشل – لكنّنا هذه المرة ، نطمح لا في أن نستمر فقط، بل في أن نتمكن من تقديم ما نعتقد أنه ضروريٌّ ومفيد.

ما نريده من الموقع هو أن يكون فضاءاً مفتوحاً على المواطنة، ننقل من خلاله ما نعتقد أنها احتياجات وطن، وما يمكن أن يساهم في إعادة بناء وطن: المواطنة المتساوية ..!

***

 لأنّنا – في مركز المواطنة المتساوية – نؤمن بأنّ أحد مقاييس تحضّر المجتمعات في الوقت الراهن يتمثل في الدرجة التي بلغتها هذه المجتمعات على صعيد المساواة التامة في المواطنة بين الأفراد؛ ولأنّنا– في مركز المواطنة المتساوية – نعتقد  أنّ العمل من أجل  المساواة في الحقوق والواجبات، بين جميع فئات وأطياف المجتمع بغضّ النّظر عن اللون، أو الجنس، أو الدّين، أو المعتقد، أو الرأي .. أو سوى ذلك من أسباب التمييز، هو واجب أخلاقيّ إضافة لكونه عملاً قانونياً أساساً.  

ولأنّنا – في مركز المواطنة المتساوية – نعتقد أنّ العمل على إزالة أسباب التمييز هذه، هو في الأساس عملية نضالية تاريخية تراكمية،  وهو في وقتنا الرّاهن أساس أيّ عمل ديموقراطيّ حقيقيّ يهدف إلى تطوير المجتمع ونقله من سكة الاستبداد إلى سكة المجتمعات الدّيموقراطية المحكومة بالقانون، وعلى أساس مبادئ المواطنة.

ولأنّنا - في مركز المواطنة المتساوية –  لا نملك أوهاماً تقول إنّنا سنذهب إلى مجتمع المواطنة بمجرد أن نقرّر ذلك، أو عندما نستبدل شخصاً بشخصٍ، أو هيئةً بهيئة.

ولأنّنا - في مركز المواطنة المتساوية –  نعتقد أنّ مجتمع المواطنة هو النّقيض من مجتمعات الرّعية المحكومة بالجهل والتخلف والاستبداد، وأنّ الخلاص من هذه البنية هو عملية تاريخية طويلة تقوم على البناء التدريجي الذي يعادل الثورة.

لأنّنا كذلك، فإنّنا سنحاول من خلال هذا الموقع، وعلى قدر إمكاناتنا، أن نعمل على تسليط الأضواء على مكامن التمييز في المواطنة- في القانون، وفي الواقع – وأن نعمل على أن يكون هذا الموقع منبراً لإعلاء قيم الكرامة، والحرية، والمساواة، والعدالة، والشفافية، والمواطنة.  

***

يقولون أنّ الطريق إلى جهنم مرصوفة بالنوايا الحسنة، هذه الطريق شديدة الانطباق على من يناضل ضد التخلّف والاستبداد، و يناور في ذات الوقت على موضوعات مثل: عدم التمييز، وحكم دولة القانون والمواطنة المتساوية، وضرورة المجتمع المدنيّ، وحيادية الدّولة تجاه جميع مكوناتها. كأنّما يمكن الحديث عن الدّولة المدنية الدّيموقراطية بديلاً عن الدّولة المستبدة دون إعمال هذه المفاهيم وترجمتها سلوكاً متجسداً على أرض الواقع.

إنّ العمل الاجتماعيّ – والسياسيّ- الذي يركز على موضوع تغيير منظومة ما، دون النّظر إلى البديل القادم باعتباره بديلاً نقيضاً – سواء على صعيد المفاهيم أو الوقائع – أي الذي يريد بناء عالمٍ جديدٍ بنفس أدوات العالم القديم، لا يؤدّي من حيث النتيجة إلاّ إلى استبدال تخلفٍ بتخلف، وتمييزٍ بتمييز، دون حسبان الكلفة البشرية والمجتمعية والاقتصادية التي يمكن لها أن تُدّمر المجتمع لعقود قادمة من دون أن تقدم أي خدمة على صعيد تقدم ورفاهية وإنسانية الشعوب.

وفق هذه الرؤية، يمكن القول أنّ المطلوب منا – كقانونيين وقانونيات، وحقوقيين وحقوقيات –خلال الأزمة المركبة التي تعيشها البلاد اليوم، هو الدّفع باتجاه تبنّي هذه المفاهيم والرؤى البديلة، من قبل كافة القوى السياسيّة والمدنيّة، والتأكيد على أنّ التّغيير الدّيموقراطيّ المدنيّ المنشود، لا يمكن أن يثمر إلاّ عبر تكريس مفاهيم الدّيموقراطية، والمدنية، والمواطنة وحيادية الدولة، وإلاّ فإنّ النتيجة التي سنصل إليها هي استبدادٌ بدلاً من استبداد، ولكن على أرضٍ ومجتمعٍ مدمرين..!

بهذا الفهم، نرى دورنا ونسعى عبر هذا الموقع – وغيره – لأن نكون أحد الأدوات المساعدة والممكنة في تكريس وتحقيق تلك المفاهيم والرؤى.

***

إذا كانت التجارب التاريخية المتعاقبة قد أثبتت أنّه من الصعب، إن لم يكن من المستحيل، الوصول إلى مجتمعٍ مدنيّ ديموقراطيّ تعدديّ، يُحكم وفق دولة القانون، ويقوم على مبدأ المواطنة عن طريق  حرب عسكرية يختلط فيها المدنيّ بالدّيني بالطائفيّ بالقوميّ، وتتداخل فيها الأجندات الإقليمية والدولية المختلفة. وإذا كانت نتائج هكذا حروب تفضي إلى كلّ شيء خراب باستثناء المواطنة والديموقراطية!، فإنّنا نرى أنّ واجبنا يكمن في العمل على إيقاف العنف بكافة أشكاله، والدّفع باتجاه حلّ سياسيّ يمكن له أن يقود، وعبر مسارٍ طويلٍ ومتعرج، إلى توافقٍ يؤمّن الأرضية اللازمة لإعادة السلم الأهليّ، وإعادة الاندماج المجتمعيّ اللازمين لبناء إصلاحات قانونية ودستورية تؤسّس لبناء المجتمع البديل المحكوم بالقانون والقائم على المواطنة المتساوية بين جميع أفراده، بغضّ النّظر عن قوميتهم، ودينهم، وجنسهم، ومعتقداتهم، وثرواتهم .. إلخ.                                     

***

نعلم أنّ طموحاتنا كبيرة، ولكنّنا نصرُّ على القيام بالدّور الذي نعتقد بصوابه، بالأدوات البسيطة والممكنة التي نملكها. من خلال هذا الموقع – وهو واحدٌ من أدواتنا - سنفتح نافذةً للتفاعل والنقاش حول قضايا أساسية يمكن لها برأينا أنْ تساهم في فتح أفقٍ صغير في سواد الواقع الذي نعيش.

سيكون الملف الأوّل للموقع عن الدّستور والقضايا الدّستورية وما يتعلق بها، بشكل عام، وفي الظرف السوري بشكل خاص. نأمل أن يشكّل هذا الملف مادة خصبة للتفاعل والحوار الذي يمكن له أن يُفضي إلى بلورة أفكار عامة تساهم في خروجنا من المأساة التي نعيش، وتساعد على بناء سورية جديدة: ديمقراطية قائمة على المواطنة المتساوية.