الإجهاض كحق من الحقوق الإنجابية

الإجهاض كحق من الحقوق الإنجابية
دراسة تحليلية مقارنة
 
الباحث 
يوسف رزوق 
ماجستير في القانون العام 
 
                                                                                                                          2017
 
 
المقدمة :
لا يوجد صك معين من صكوك حقوق الإنسان مكرساً لحماية الحقوق الإنجابية، لكن الصكوك الرئيسية للأمم المتحدة والصكوك الإقليمية لحقوق الإنسان تحمي عناصر الحقوق الإنجابية، وهناك إجماع بينها للتأكيد على الطبيعة المتنوعة والغنية للحقوق الإنجابية. فوفقاً للفقرة /7.3/ من برنامج عمل المؤتمر الدولي للسكان والتنمية، تشمل الحقوق الإنجابية مجموعة من حقوق الإنسان المعترف بها في التشريعات الوطنية والدولية ووثائق حقوق الإنسان ووثائق الإجماع الدولية، فهذه الحقوق تشمل الاعتراف بحق الأزواج والأفراد في أن يقرروا من دون تمييز أو إكراه أو عنف ما إذا كان لديهم أطفال، ووجوب توفير المعلومات والوسائل الكفيلة واللازمة لاتخاذ مثل هذه القرارات، كما ترتبط مع حقهم في التمتع بأعلى مستوى من معايير الصحة الجنسية والإنجابية .
ويمكن تصنيف عناصر الحقوق الإنجابية وفقا لمؤتمر ICPD( 1994):
أولاً- منح الأفراد والأزواج الحق في أن يقرروا بحرية ومسؤولية عدد الولادات والتباعد بينها وتوقيت الإنجاب والحصول على الوسائل والمعلومات الكفيلة بذلك (موانع حمل/الحصول على خدمات الرعاية الصحية/ والعمل على تأمين تلك الخدمات لكافة  أطياف المجتمع الجندرية ولكل الأعمار)، كما الحق في اختيار الزوج وعدم الإكراه على الزواج.
ثانياً- الحق بالحصول على أعلى معايير الصحة الإنجابية والجنسية- والمقصود هنا ليس فقط القضايا المتعلقة بالإنجاب، لكن أيضاً تأمين حياة جنسية آمنة تتناول تعزيز الحياة والعلاقات الشخصية، وليس مجرد تقديم المشورة والرعاية المتعلقة بالإنجاب والأمراض التي تنتقل عن طريق الاتصال الجنسي، إذ تشير إلى إدماج الجوانب الجسدية والعاطفية والفكرية والاجتماعية في الحياة الجنسية بطرق إيجابية تعزز الشخصية  والحب، إذ أن الصحة الجنسية تعتبر عنصراً من عناصر الحقوق الإنجابية، كما تتضمن أيضاً الحصول على مجموعة شاملة من الخدمات الصحية بما في ذلك تنظيم الأسرة الطوعي، والإجهاض حيث لا يخالف القانون، والحصول على الرعاية بعد الإجهاض وقبل الولادة وبعدها.
    ثالثاً- الحق باتخاذ القرارات بشأن الإنجاب دون تمييز أو إكراه أو عنف، كما هو معبر عنه في وثائق حقوق الإنسان .
ومن خلال الفقرات السابقة يمكن الخلاص إلى أن الإجهاض يشكل أحد أهم عناصر الحقوق الإنجابية، وسندرس موضوع البحث وفق المخطط التالي:
المطلب الأول : ماهية الإجهاض: 
                   الفرع الأول: تعريف الإجهاض وأنواعه. 
                   الفرع الثاني: الحقوق المتعلقة بالإجهاض.
المطلب الثاني  موقف التشريعات السماوية والوطنية: 
                    الفرع الأول : موقف التشريعات السماوية من الإجهاض.
                    الفرع الثاني : موقف التشريعات الوطنية من الإجهاض.
الخاتمة
النتائج والتوصيات
 
 
المطلب الاول 
ماهية الإجهاض
الفرع الأول- تعريف الإجهاض وأنواعه:
أولاً- تعريف الإجهاض:
1- من وجهة نظر طبية:
    هو لفظ محتويات الرحم قبل الأوان (قبل الشهر السابع أو الأسبوع 28)، دون الإشارة إلى سبب فقدان الحمل- أي بين بداية الحمل و قبل القابلية للحياة - يحددها البعض  بنهاية الشهر السادس والبعض الآخر ببلوغ الجنين 1كغ.
2- من وجهة نظر قانونية: 
   إخراج محصول الحمل بإجراءات علاجية أو جراحية حتى لو كان الجنين غير قابل للحياة 
  ووفقاً لقاموس uslegal هو إنهاء حالة  الحمل بأساليب مختلفة، من ضمنها العمل الجراحي الطبي قبل أن يكون الجنين قادراً على الحياة بشكل مستقل. (فالقوانين لا تعالج التلقائي، فقط  تعالج المستحث أو المفتعل).
ثانياً-أنواع الإجهاض:
1-حسب العامل المسبب للإجهاض:
أ- الإجهاض التلقائي: هو الإجهاض الذي يحدث بشكل لا إرادي بدون أي محرضات خارجية (منها ما يتعلق بالأم ومنها ما يتعلق بالجنين).
ب-الإجهاض المُحرّض: وهو الإجهاض المفتعل – وذلك في حالة حدوث حمل غير مرغوب لأسباب مختلفة قد تكون طبية أو ثقافية أو اجتماعية أو دينية أو أخلاقية – مع الأخذ بعين الاعتبار المساحة الواسعة و الخلافية للسبب الأخلاقي حسب المجتمع والعادات والتقاليد.
2-حسب المعايير الصحية:
أ-الإجهاض غير الآمن: وفقاً لمنظمة الصحة العالمية فإن الإجهاض غير الآمن هو إنهاء حالة الحمل غير المرغوب فيه من قبل أشخاص يفتقرون إلى الخبرات الضرورية، أو في ظل بيئة لا تراعي أدنى القواعد والمعايير الطبية أول كلاهما.
ب- الإجهاض الآمن: وهو إنهاء حالة الحمل من قبل أشخاص ممارسين يتمتعون بالخبرة الكافية والضرورية لإجراء الإجهاض، وفي ظل بيئة صحية تراعي القواعد والمعايير الصحية.
 ثالثاً-الإجهاض كموضوع إشكالي:
إن الإجهاض موضوع خلافي  حيث تكون الحدود بين الصح والخطأ متزعزعة ومرنة ونسبية، فمن الصعب تغليف الإجهاض بشعار بسيط وحتى هذه اللحظة نجد أنه كلما تبوأ موضوع الإجهاض حلقة النقاش في ظل أي مناسبة أو فعالية، يطفو الخلاف بين الفرقاء المشاركين تبعاً لخلفيتهم الثقافية والدينية والاجتماعية.
الفرع الثاني - الحقوق المتعلقة بالإجهاض:
لقد تعاملت الصكوك الدولية والإقليمية مع حق المرأة في الوصول إلى الإجهاض الآمن والقانوني كحق من حقوقها الإنسانية، إذ يرتبط الإجهاض بشكل مباشر مع:
    أولاً- حق النساء في الحياة.
   ثانياً-حق النساء في الصحة. 
   ثالثاً-حق النساء في المساواة وعدم التمييز. 
   رابعاً-حق المرأة في تقرير مصيرها الإنجابي.
 
أولاً-حق النساء في الحياة: 
 في عام 2000 دعت اللجنة المعنية بحقوق الإنسان الدول في معرض التزامها بحقوق الإنسان المصانة في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، بالإبلاغ عن أي تدابير تتخذها الدول لمساعدة النساء في منع الحمل غير المرغوب فيه ولضمان عدم لجوئهن إلى الإجهاض السري المُهدد لحياتهن. وذلك سواء أكان الإجهاض قانونياً ومتاحاً ضمن حيز واسع من الحالات، أم مقيداً ومحصوراً بشكل خانق، فإن احتمال حدوث الحمل غير المقصود واحد، وبالتالي البحث عن إجهاض مُستحث (مفتعل) يبقى نفسه تقريباً.
فالوضع القانوني للإجهاض لا يؤثر على حاجة النساء للقيام به، لكن يؤثر على حصولهن على الإجهاض الآمن، أي أن التقييد الصارم للحق في الإجهاض سيكون بمثابة الدافع والمحرض ليحفز النساء ليخضعن للإجهاض غير الآمن من قبل ممارسين غير  مختصين أو في ظروف غير صحية، مما يُهدد حياتهن ويُعرضها للخطر، وهذا يعتبر انتهاكا لحقهن المصان في الصكوك العالمية في الحياة. فوفقاً لـ WHO هناك حوالي 21.6 مليون امرأة حول العالم خضعن للإجهاض غير الآمن، وكان ذلك سبباً في وفاة 47000 امرأة، مما دفع العديد من هيئات الأمم المتحدة إلى تصنيف حالات الوفيات بسبب الإجهاض كـ انتهاك لحق المرأة  في الحياة.
وفي نفس الوقت يتم استثمار عبارة (الحق في الحياة) من قبل مناهضي الإجهاض لمحاربة تقنين الإجهاض الطوعي للنساء، لكن من المهم والمبشر أن هذه العبارة لم  تُفسر في الإطار الدولي كعثرة في ممارسة حق الإجهاض، وفي الآونة الأخيرة قضت المحكمة الأوربية لحقوق الإنسان في قضية ضد فرنسا بأنه ليس من المحبذ أو حتى من الممكن الإجابة عن التساؤل فيما إذا كان الطفل الذي لم يُولد بعد هو المستهدف بالمادة/2/ من الاتفاقية، ولذلك رفضت المحكمة اعتماد حكم من شأنه أن يُشكك في صحة القوانين التي تسمح بالإجهاض في /39/ دولة عضو في مجلس أوربا.
في عام 2004 تبنت جمعية الصحة العالمية أهداف التنمية الدولية ضمن إطار استراتيجية منظمة الصحة العالمية، فصرحت: «باعتبار أن الإجهاض غير الآمن يعتبر كسبب يمكن الوقاية منه لوفيات الأمهات وحالات العاهات، يجب أن يتم التعامل معه كجزء من الهدف الإغاثي للألفية لتطوير الصحة الأمومية وبقية اهداف وغايات التنمية الدولية».
ثانياً- حق النساء في الصحة: 
إن القانون الدولي يضمن للنساء الحق في الحصول على أعلى مستوى من معايير الصحة العقلية والجسدية، وفي عام 2000 اعترفت لجنة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية  والثقافية بأن الحق في الصحة يتضمن «الحق في التحكم أو السيطرة على صحة الشخص وجسده بما يتضمن ذلك الحرية الجنسية والإنجابية والحق أن يكون حراً من التدخل».
 ويمكن القول أن الحق في الصحة لابد وأن يتضمن علاوة على ذلك إزالة كل الحواجز والعوائق  التي تعيق الوصول إلى الخدمات الصحية، وكذلك التعليم والإعلام في ما يتعلق بالصحة الجنسية والإنجابية كالتعليم والتثقيف الجنسي و التخطيط العائلي.
ويعترف بروتوكول مابوتو (البروتوكول الافريقي بشأن حقوق المرأة الملحق بالبروتوكول الافريقي لحقوق الإنسان) بأن الحق في الصحة يتضمن احترام وتعزيز الحقوق الصحية للمرأة بما فيها الصحة الجنسية والإنجابية، وتأمين الوصول  إلى الإجهاض الآمن والقانوني كحد أدنى في ظروف معينة وحالات معينة، ويطلب من الدول الأطراف «ضمان احترم حق المرأة بالصحة متضمناً الصحة الجنسية والإنجابية، وذلك من خلال اتباع وسائل مناسبة لترخيص الإجهاض في حالات الاعتداء الجنسي، والاغتصاب، وسفاح القربى، وحيث يكون استمرار الحمل يُشكل خطراً يهدد الصحة الفيزيولوجية أوالعقلية للمرأة  أو يهدد حياتها أو حياة الجنين».
فمن المخاطر الصحية للإجهاض غير الآمن:
- النزف، والالتهابات، والرضوض.
- حوالي (20-30%) من حالات الإجهاض غير الآمن تُسبب التهابات في الجهاز التناسلي.
- واحد من كل أربع نساء يخضعن لإجهاض غير آمن، إنهن معرضات  إلى حدوث مضاعفات قد تتطور لتصل إلى مرحلة الإعاقة المؤقتة أو الدائمة.
 ومن النتائج التي تترتب على التقييد الصارم للإجهاض القانوني أن تتجنب الكثير من النساء الرعاية الطبية اللازمة بعد الإجهاض بسبب العوز الاقتصادي أو الخوف من الملاحقة القانونية في حال ما تم توثيق ذلك بهدف إحالتهن إلى القضاء أو الجهة المختصة بالمحاسبة. (قضية مانويلا السلفادورية كمثال). فمثلاً تمتاز أفريقيا بنسبة الولادات 27% على مستوى العالم سنوياً، وبنسبة 14%  من النساء اللواتي تتراوح أعمارهن بين 15-49 سنة، فإن نسبتها من الإجهاض غير الآمن على المستوى العالمي 29% و بشكل ملفت للنظر فإن 62% من حالات الوفيات بسبب الإجهاض حول العالم كانت في إفريقيا عام 2008.
-تختلف نسبة الوفيات بسبب الإجهاض غير الآمن في الدول النامية ففي حين أنها:
460 حالة وفاة لكل 100000 إجهاض في أفريقيا، و 520 حالة وفاة لكل 100000 في الصحراء الكبرى.
فإنها 30 وفاة لكل 100000 إجهاض في أمريكا اللاتينية و160 لكل 100000 في آسيا. 
ومن الجدير بالذكر أن إجراء الإجهاض المستحث أو المفتعل من قبل ممارسين ماهرين وفي ظل ظروف صحية يجعل منه إجراءاً آمناً، ففي الولايات المتحدة الأمريكية  معدل الوفيات 0.7 لكل 100000اجهاض قانوني. 
 
ثالثاً- حق النساء في المساواة وعدم التمييز:
إن الحق بالمساواة الجندرية هو مبدأ أساسي من مبادئ حقوق الإنسان، فكل صكوك حقوق الإنسان الرئيسة تطالب بالحرية من التمييز على أساس الجندر وأن تكون الحقوق الإنسانية مصانة.
فالتمييز ضد المرأة يتضمن التشريعات التي تحتوي إما آثار أو أهداف لمنع المرأة من ممارسة حقوقها الإنسانية أو حرياتها الأساسية على قدم المساواة مع الرجل.
في عام 1999 اعترفت لجنة إلغاء التمييز ضد المرأة (لجنة السيداو) بأن القوانين التي تُجرم الإجراءات الطبية التي تحتاجها النساء فقط، وتعاقب النساء اللواتي يخضعن لتلك الإجراءات كحاجز وعائق لوصول النساء إلى الرعاية الصحية المناسبة.
إن رفض وصول النساء إلى الإجهاض هو شكل من أشكال التمييز الجندري، فالقوانين  التي تقيد الإجهاض بشكل صارم تمتلك الأثر والهدف بمنع المرأة من ممارسة حقوقها الإنسانية والأساسية على قدم المساواة مع الرجل.
ويمكن القول بأن القوانين  التي تحرم المرأة من الوصول إلى الإجهاض الآمن والقانوني بغض النظر عن الأهداف المعلنة، تحتوي على أهداف تمييزية لضعضعة وتشويه قدرة المرأة على اتخاذ قرارات مسؤولة  تتصل بجسدها وحياتها، وليس من المفاجئ وجود أهداف تمييزية بهذا المنحى في ظل وجود الكثير من العناصر التمييزية في التشريعات القانونية تكون غايتها إنكار دور المرأة في الوصول إلى مراكز صنع القرار في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، إذ إن لجنة السيداو عبرت باستمرار عن قلقها حول القوانين المقيدة التي تجرم الإجهاض حتى في حالات الاغتصاب،  مما لا يتفق مع التزام الدول باحترام وضمانة المساواة بين المرأة والرجل. ويمكننا القول بأنه ليس من الصدفة أن تكون البلدان التي لايزال الإجهاض بها مقيداً جداً، هي الدول ذات الخلفيات الثقافية والاجتماعية والدينية المحافظة.
 
رابعاً-حق المرأة في تقرير مصيرها الإنجابي:
لقد أكدت المواثيق الدولية ومن ضمنها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان /مادة 12/ على حماية الحياة الخاصة للإنسان من التدخل التعسفي،  وبالتالي منحت الصكوك الدولية الإنسان الحق في اتخاذ القرارات المرتبطة بحياته الخاصة  ومن أهمها الامور المتعلقة بالجسد البشري، وأوجبت أن تتم حماية تلك الحقوق بالقوانين، وبالتالي فالقرارات الخاصة المتعلقة بالحمل والإنجاب والسلامة البدنية والاختيار بحرية ومسؤولية عدد الأطفال والمباعدات بين الولادات تدخل في إطار الحقوق الإنسانية المشمولة بحماية تلك المادة.
عندما  يكون الحمل غير مرغوب فيه، فإن استمراريته يمكن أن تُؤدي إلى خلق تبعات ثقيلة العبء على جسد المرأة وسعادتها وحياتها النفسية والعاطفية، فالقرارات المرتبط بهذا المواضيع تدخل مباشرة في حقل القرارات الخاصة  بالإنسان.
وأعلنت لجنة حقوق الإنسان  في عام 2005 في قرارها  CCPR/C/85/D/1153/2003 2005 أن «إنكار حق المرأة في الوصول إلى الإجهاض الآمن والقانوني  هو تدخل سافر في حياتها الخاصة». إن هذا القرار جاء في معرض النظر في قضية المراهقة كارين ضد البيرو التي  ثبُت وفق التقارير الطبية التي قدمتها( تشوه الجنين في رحمها وأنه غير قادر على الحياة واستمرار الحمل سيكون له آثار سلبية على صحتها وحالتها النفسية) ولكن رغم  ذلك تجاهلت السلطات ذلك وأنكرت حقها في الحصول على الإجهاض القانوني وتعسفت في ذلك، فرُزقت بولد عاجز وتوفي بعد أيام قليلة من ولادته، وقد أدينت البيرو لذلك وتم مطالبتها بدفع تعويضات لكارين بسبب ذلك.
إن تكاليف وصول النساء  إلى الإجهاض الآمن أدنى بكثير من التكاليف الناجمة عن الإجهاض غير الآمن وذلك حسب ورقة صادرة عن مركز الحقوق الإنجابية في أيلول 2005. في الدول متوسطة ومنخفضة الدخل فإن 50% من ميزانيات المشافي تُستخدم لعلاج المضاعفات الناجمة عن الإجهاض غير الآمن، وبالتالي فعلاج المضاعفات  الناجمة عن ذلك يستهلك موارد المشافي بشكل غير متناسب مع قدراتها، مما يؤدي إلى اللجوء إلى لتقشف في معرض تقديم خدمات أخرى ضرورية.
إن تسهيل الوصول إلى خدمات الإجهاض الآمن والقانوني، له نتائج على المدى الطويل  فيما يتعلق بالأجيال القادمة. ففي استعراض لخطة الخمس سنوات  لـ (POA) أقرت الحكومات بالحاجة إلى توفير قدر أكبر من خدمات الإجهاض مؤكدة  على أنه «في الظروف التي لا يكون الإجهاض فيها مخالفاً للقانون، فيتوجب على أنظمة الصحة أن تدرب مقدمي خدمة الإجهاض وتُزودهم بالمعدات». 
في الثالث من تموز 2002 طالب الاتحاد الأوربي بمنح المرأة الحق في الإجهاض القانوني بحيث يكون آمناً والوصول إليه  بشكل عادل لكل النساء دون تمييز (صوت المجلس ب 280 لصالح القرار و 240 ضده و 28 امتناع عن التصويت).
إن القرار كان قوياً بطبيعته لكن بدون وجود تبعات قانونية في حال عدم الالتزام به، فهو مجرد طلب إلى حكومات الدول لتحقيق الانسجام والتنسيق بين تشريعاتها لتكون منسجمة مع خطط العمل الدولية التي تم تبينها في مؤتمر الأمم المتحد في مصر 1994 ومؤتمر بكين 1995، إذ إن الاتحاد الأوربي قادر على تقديم مؤشرات تتعلق بتقييم ممارسة الدول دون صلاحية فرض ممارسة أو تطبيق قرار معين.
حديثاً،وبتاريخ 12/12/2012 وافق البرلمان الأوربي على التقرير السنوي حول الحقوق الأساسية في الاتحاد (2010-2011) الذي طالب الدول الأعضاء ألا يقيدوا الإجهاض وأن يعترفوا بحق الأقليات و الـ LGBT  والمهاجرين – إذ حصل القرار على 308 صوت لصالحه و 229 ضده و 49 امتناع عن التصويت. كما عبر البرلمان الأوربي عن قلقه حول القيود التي فُرضت حديثاً في بعض الدول الأعضاء على خدمات الرعاية الصحية فيما يتعلق بالحقوق الإنجابية كالحصول على الإجهاض الآمن والقانوني.
- رفض البرلمان الأوربي حديثاً في عام 2013 تقرير استريلا بشأن الحق في الصحة الإنجابية والجنسية الذي قدمته اللجنة المعنية بحق المرأة والمساواة بين الجنسين.
في 28 شباط 2014 قُدمت المبادرة المتحفظة (واحد منا one of us ) إلى اللجنة ك  كحركة ثانية من مبادرة المواطنين الأوربيين European Citizens' Initiative  جمعت ما يقارب مليوني توقيع في 28 دولة عضو تطالب الاتحاد الأوربي بوضع حد للدعم الاقتصادي والسياسي لأي أنشطة يمكن أن تؤدي إلى تدمير الأجنة البشرية ومن ضمنها الإجهاض الآمن المقدمة من المنظمات غير الحكومية في البلدان النامية.
نجد في الصفحة التالية جدولاً يبين الأسس التي يسمح بالقيام بالإجهاض على أساسها في  العالم حسب المنطقة وفروعها 2009 (الأرقام كنسبة مئوية من البلدان) 
 
 
عدد البلدان 
Number of countries عند الطلب 
On request أسباب اقتصادية أو اجتماعية  economic or social reasons إعاقة الجنين 
Fetal impairment اغتصاب أو سفاح 
Rape or incest للحفاظ على الصحة العقلية 
To preserve mental health للحفاظ على الصحة الجسدية To preserve
physical
Health للحفاظ على حياة المرأة To save the
woman’s
Life البلد أو المنطقة Country or
area
195 29 34 47 49 63 67 97 بلدان العالم أجمع all countries
49 69 80 84 84 86 88 96 البلدان المتطورة developed countries
146 16 19 34 37 55 60 97 البلدان النامية developing countries
53 6 8 32 32 55 60 100 أفريقيا Africa
17 0 6 24 18 65 71 100 شرق eastern
9 0 0 11 11 22 33 100 وسطmiddle 
6 17 17 17 33 50 50 100 شمالnorthern
5 20 20 80 60 80 80 100 جنوبsouthern
16 6 6 44 50 56 63 100 غربwestern
46 37 39 54 50 61 63 100 آسيا Asia
4 75 75 100 100 100 100 100 شرق eastern
14 43 50 50 57 64 64 100 جنوب وسط آسياSouth-central  Asia
11 27 27 36 36 45 55 100 جنوب شرق آسياSouth-eastern
Asia
17 29 29 59 41 59 59 100 غربwestern
33 9 18 21 36 52 58 88 أمريكا اللاتينيةوالكاريبيLatin America
and the
Caribbean
13 8 23 23 38 69 69 92 الكاريبيcar
8 13 25 25 25 38 50 75 وسط أمريكا central America
12 8 8 17 42 42 50 92 جنوبsouth
14 0 0 7 14 50 50 100 اوقيانوسياoceania
 
من تحليل النتائج الواردة في الجدول:
1- إن 97% من البلدان من دول العالم تسمح بالإجهاض للحفاظ على حياة الأم و تتفاوت  نسب الدول التي تسمح بالإجهاض باختلاف المبررات والأسباب لتكون أدنى نسبة 29% من دول العالم تسمح بالإجهاض الطوعي بناء على طلب ذلك، مع الإشارة إلى أن نسبة البلدان المتقدمة التي تسمح بالإجهاض الطوعي تعادل أربعة أضعاف نسبة الدول في البلدان النامية.
2- فيما يتعلق بالمقارنة بين نسبة عدد الدول في البلدان المتطورة والنامية تتفاوت بشكل كبير، ليصل التفاوت في النسب في ظل بعض الأسباب إلى  أربعة أضعاف كما في حالة سماح الإجهاض عند الطلب (69%) من الدول المتطورة تبيح ذلك مقابل (16%) من الدول النامية، لكن في المقابل تقترب النسب من بعضها لتصغر الفجوة بين النامية والمتطورة لتلامس بعضها في ظل السماح بالإجهاض للحفاظ على حياة المرأة(97-96)% على التوالي.
3- تسمح كافة الدول الأفريقية والآسيوية و دول أوقيانوسيا و(88%) من دول أمريكا اللاتينية والكاريبي بالإجهاض للحفاظ على حياة المرأة.
4- تنخفض نسب الدول الأفريقية والآسيوية وأمريكا اللاتينية والكاريبي التي تسمح بالإجهاض بناء على أسباب (الحفاظ  على الصحة الجسدية أو النفسية للمرأة أو لأسباب الاغتصاب والسفاح) على التوالي (60-55-32)% في أفريقيا، و(63-61-50)%، في آسيا و(58-52-36)%، في دول أمريكا والكاريبي لتحقق مرتبة وسط بين أفريقيا وآسيا وأوقيانوسيا، فتكون آسيا محتلة لموقع الصدارة بين الدول محل المقارنة. وتحتل أوقيانوسيا المرتبة الأخيرة بنسب (50-50-14)% على التوالي.
5- ويستمر هبوط نسب الدول التي تسمح بالإجهاض لأسباب (إعاقة الجنين أو اقتصادية واجتماعية أو عند  الطلب) على التوالي لتكون (32-8-6)% في أفريقيا، و (54-39-37)  في آسيا، و(21-18-9)% في دول أمريكا والكاريبي لتحقق موقعاً وسطاً فيما يتعلق بالمبررات الثلاثة، لتحتل أوقيانوسيا المرتبة الأخيرة بنسب (7-0-0)% مع بقاء احتلال آسيا لموقع الصدارة فيما يتعلق بالأسباب الثلاثة، بالإضافة  إلى احتلال أفريقيا المرتبة قبل الأخيرة  بنسب بالدول التي تسمح بالإجهاض لأسباب اقتصادية و اجتماعية، أو عند الطلب.
6- إن جنوب أفريقيا تحتل موقع الصدارة بين الدول الأفريقية فيما يتعلق بالسماح بالإجهاض لكل من مبررات الإجهاض في الجدول، وتمنع دول شرق ووسط أفريقيا الإجهاض عند الطلب، وتحتل دول غرب أفريقيا أدنى مرتبة في  ذلك بنسبة (6)%، بينما جنوب و شمال أفريقيا يمتازان بأعلى نسب (20-17)% على التوالي.
7- تحتل دول شرق آسيا موقع الصدارة بين الدول الآسيوية فيما يتعلق بالسماح بالإجهاض لكافة الأسباب بينما دول جنوب شرق آسيا تحتل أدنى مرتبة في ذلك، كما تحتل دول شرق آسيا بمعدل (75)%  موقع الصدارة على المستوى الآسيوي وباقي المناطق محل المقارنة فيما يتعلق بالسماح  بالإجهاض بناء على الطلب.
8- تحتل دول الكاريبي موقع الصدارة في كل مبررات الإجهاض بين دول أمريكا اللاتينية والكاريبي باستثناء علل السفاح والاغتصاب واعتلال الجنين ولأسباب اقتصادية واجتماعية فتحتل ثاني مرتبة، وتحتل كل من الكاريبي وجنوب أمريكا اللاتينية الموقع الأول في نسبة الدول التي تبيح الإجهاض لحماية حياة المرأة بنسبة (92)% وتأتي دول وسط أمريكا في المركز الثاني في إباحة الإجهاض لهذا السبب، ولكنها تتميز بأعلى نسبة دول تسمح بالإجهاض للأسباب المرتبطة بـإعاقة الجنين، أو لأسباب اقتصادية، أو اجتماعية، أو عند الطلب، وتحتل دول الكاريبي وجنوب أمريكا المرتبة الأخيرة بنسبة (8)% لكل منهما.
9- تحتل أوقيانوسيا المركز الأخير فيما يتعلق بنسب الدول التي تبيح الإجهاض بالنسبة لكل المبررات باستثناء حماية حياة المرأة بنسبة (100)%، والجدير بالذكر أن دول أوقيانوسيا كلها تمنع الإجهاض لأسباب اقتصادية أواجتماعية أو عند الطلب بنسبة (0)%.
 
 
المطلب الثاني
مواقف التشريعات السماوية والوطنية
الفرع الأول -موقف الشرائع السماوية من الإجهاض:
أولاً- موقف الشريعة اليهودية: 
أ‌- لم يرد الإجهاض في التوراة إلاّ في معرض  الحديث عن إسقاط الجنين بسبب التعدي على المرأة.
ب‌- لم يُعاقب في التوراة على الإجهاض الاختياري (الجنين جزء من جسد المرأة الحامل وطرحه 
يستوجب فقط غرامة بسيطة).
لكن في مرجع آخر تم ذكر موقف الديانة اليهودية على أن التوراة لم يمنع الإجهاض، لكنه غير مسموح عند الطلب، وحسب كل وقائع قضية يسمح بالإجهاض بعد الحصول على مشورة من حاخام مختص بتلك المسائل.
ثانياً- موقف الشريعة المسيحية:
أ‌- عملت الديانة المسيحية على تحريم الإجهاض.
ب‌- أباح الدين المسيحي الإجهاض في حال كان استمرار الحمل يشكل خطراً على حياة المرأة أو صحتها، أو في حال كان الجنين مشوهاً.
ت‌- بالنسبة لحمل السفاح فالكنيسة رفضت إباحة الإجهاض للتخلص من الحمل السفاح.
 
ثالثاً-موقف الشريعة الإسلامية:
أ‌- اتفق الفقهاء على أن الإجهاض بعد نفخ الروح محرماً– والمحدد ب 120 يومأ من بدء التلقيح- سواء أكان الجنين مشوهاً أم غير ذلك، إلاّ إذا كانت حياة الأم في خطر  فقدموا حياتها على حياته.
ب‌- اختلف الفقهاء في الإجهاض قبل  نفخ الروح :
1- المالكية، والغزالي، وابن رجب الجنبلي يحرمون الإجهاض منذ اللحظة الأولى لاستقرار النطفة في الرحم.
2- جواز الإجهاض في جال وجود مرض المرأة أو غيره من الأسباب قبل التخليق، أي قبل مرور 40 يوماً على الحمل.
3- الأكثر تسامحاً بجواز الإجهاض قبل نفخ الروح أي قبل 120 يوماً.
(سُمح الإجهاض في حالة الاغتصاب) .
الفرع الثاني -مواقف التشريعات الوطنية: 
أولاً- التشريعات في الدول غير العربية: 
كولومبيا 2006: اتبعت  حكم للمحكمة  الدستورية بالسماح بالإجهاض للحفاظ على حياة المرأة أو صحتها العقلية و الجسدية، أو في حالات الاغتصاب أو السفاح، أو في حالة  الضعف الشديد للجنين، أما سابقاً فكان الإجهاض قد مُنع بدون استثناءات واضحة وصريحة.
فيجي2009: يسمح بالإجهاض بناءاً على اعتبارات اجتماعية اقتصادية أو في حالات الاغتصاب، السفاح، ضعف الجنين. أما سابقاً كان الإجهاض مسموحاً لأسباب اجتماعية اقتصادية فقط دون الحالات الأخرى.
إيران 2005: حالياً الإجهاض مسموح لحفظ حياة المرأة، أو في حال كان الحمل في الـ 4 أشهر الأولى في حال اعتلال الجنين، أما سابقاً كان منع دون استثناءات صريحة.
البرتغال 2007: الإجهاض سُمح قانونياً بدون تقييد بأي سبب حتى الأسبوع العاشر من الحمل، وبعدها بناءاً على أسباب معينة، أما قبل ذلك كان الإجهاض مسموحاً عندما تكون حياة المرأة وصحتها العقلية أو الجسدية في خطر او في حالة الاغتصاب أو اعتلال الجنين.
فكتوريا 2008: تبنت قانوناً يسمح بالإجهاض دون قيود خلال 24 أسبوعاً الأولى من الحمل، أما بعد ذلك يجوز الإجهاض بناءاً على قناعة مقدمي خدمة الإجهاض (في ظل أي ظرف) واستشارة أخصائي طبي آخر، أما سابقاً كان مسموحاً لحماية حياة المرأة أو صحتها الجسدية أو العقلية.
روسيا 2003: لقد قيد القانون الفترة المسموح الإجهاض بها بناءاً على رغبة المرأة إلى 12 أسبوع الأولى من الحمل، وسمح بالإجهاض في الفترة بين 12-22 أسبوع في أربع حالات فقط بعد أن كانت اثنا عشر حالة، أما في حالة الحاجة الطبية فالإجهاض مسموح في أي فترة من الحمل.
ايرلندا: من بين أكثر الدول الأوربية  تقييداً لحق الإجهاض، إذ أن الكنيسة الكاثوليكية تتمتع بسلطة هائلة، سواء على مستوى الرأي العام أو الساحة السياسية. فوفقاً للقانون الحالي فالإجهاض ممكن في حالة وجود خطر على حياة المرأة (بما في ذلك الانتحار)، أو في حالة وفاة الجنين. وعارض الشعب الايرلندي توسيع المساحة القانونية في الوصول  إلى الإجهاض في ثلاث استفتاءات "2002،1993،1982".
  لقد صدر حكم عن المحكمة الأوربية في 16ك1 لعام 2010 بإدانة ايرلندا لانتهاكها حقوق الإنسان التي صدقت عليها في الاتفاقية، بسبب  حالة وفاة شابة حرمت من الإجهاض رغم ثبوت حاجتها له وفق التقارير الطبية، يعتبر هذا الحكم مرجعاً قانونياً مفيداً في الحالات الأخرى حيث تقوم النساء بمقاضاة ايرلندا. 
 
بولندا: الإجهاض مسموح خلال الأسابيع الـ 12 الأولى من الحمل بشرط أن يقوم به طبيب أخصائي، وفي ثلاث حالات (تهديد حياة المرأة أوصحتها، تشوه الجنين أو إعاقته، اشتباه أن يكون الحمل نتيجة عمل غير قانوني) أما بعد 12 أسبوع في حالة كان الحمل يؤثر على صحة المرأة أو حياتها. ويجب أن يُجرى الإجهاض في مشفى أو عيادة بموافقة المرأة الحامل أو ذويها أو الوصي عليها في حال كانت قاصرا.
وقد رفض المجلس التشريعي الأدنى sejm بفارق بسيط في آب 2011 مشروع قانون مقترح من الحركات الدينية لتقييد الإجهاض، وفي خريف 2012 تم رفض مشروع تقييدي للإجهاض، ومشروع آخر تحرري، وفي 2013 تم رفض مبادرة شعبية تهدف إلى تقييد الإجهاض، ولكن هذا لم يمنع لجنة  تدوين القانون الجنائي من إجراء تعديلات على القانون بفرض مزيد من القيود على القانون.
وفي 22 أيلول اليوم الذي كان يتم فيه مناقشة قانون منع الإجهاض في المجلس الأدنى، قام حزب (رايزم) بتنظيم مظاهرة باسم black protestكجزء من حملة أكبر لنشر صور سلفي باللباس الأسود.
في 1 تشرين الأول نظمت مظاهرة لجمع تواقيع بعنوان قانون المواطنين لتحرير قانون الإجهاض البولندي، وفي 3 نفس الشهر نظمت مظاهرة مضادة لإلغاء مشروع القانون (بالتعاون بين الكنيسة الكاثوليكية ومعارضي الإجهاض).
فرنسا: الإجهاض مسموح بشرط  الطلب على ذلك خلال 12 أسبوعاً الأولى، إذ يجب على المرأة أن تدّعي بأنها في حالة ضيق بسبب الحمل، أما بعد 12 أسبوعاً فالإجهاض مسموح إذا كان الحمل سيعرض حياة المرأة أو صحتها للخطر، أو اذا كان الطفل سيعاني من مرض عضال فيجب على الأطباء أن يوثقوا ذلك بالخطر على صحة الأم، أو الجنين وآثاره.
يجب أن يقوم طبيب مختص بالإجهاض في كل الحالات، ويجب أن يشرح للمرأة الطرق والآثار الجانبية، كما ينص القانون على وجوب أن تتشاور المرأة مع مستشار زواج، أو أسرة، أو خدمات اجتماعية في حال كانت قاصر، أما المرأة البالغة فلها حرية القبول أو الرفض.
إيطاليا: أ- ان قانون 194 لعام 1978 شرع الإجهاض في إيطاليا، إذ سمح بالإجهاض الطوعي خلال الـ 90 يوماً الأولى من الحمل إذا كان الحمل أو الولادة تشكل خطراً جسيماً على صحة المرأة الجسدية أو النفسية، مع الأخذ بعين الاعتبار حالتها الاقتصادية، الاجتماعية أو الوضع العائلي والظروف التي يكون قد حدث فيها الحمل، أو في حال وجدود تشخيص باعتلال الجنين  على أن يتم بعد الحصول على تقرير يثبت ذلك من قبل مؤسسة صحية أو وكالة رعاية اجتماعية  أو عيادة خاصة، مع العلم بأنه لا تلزم موافقة الأب البيولوجي للطفل الذي لم يولد بعد، وبعد الحصول على تقرير موقع من الطبيب والمرأة ومرور فترة 7  أيام يمكن للمرأة أن تقدمه إلى مركز طبي مرخص للحصول على الإجهاض، ويمكن تجاوز فترة الأسبوع في حال كان هناك خطر على حياة المرأة.
إذا كانت المرأة دون الـ 18 عاماً فيجب الحصول على موافقة والديها، وإذا رفضا ذلك يمكن الحصول على إذن من القضاء المختص بذلك.
ب- أما بعد الـ 90 يوماً فالإجهاض مسموح في حال كان الحمل يشكل خطراً جسيماً على حياة المرأة أو صحتها العقلية أوالجسدية (كما في حالة اعتلال الجنين).
إنّ الواقع النظري لأول وهلة يبدو وكأن الإجهاض قانوني بمجرد الطلب في إيطاليا، لكن في التطبيق العملي، نجد أن الكرسي البابوي  برئاسة بابا روما منذ صدور القانون 194 أصدر تحذيراً بأن المرأة والشخص الذي يقوم بخدمة الإجهاض سيعزلون، وبسبب ضغط الكنيسة وخوف الأطباء من بند الضمير. فيلجؤون إليه لرفض القيام بالإجهاض، إذ يزداد الوضع سوء في جنوب إيطاليا. مما يدفع الكثير من النساء إلى القيام بالإجهاض غير الآمن لعدم  قدرتهم على السفر وتحمل أعباء ومصاريف الإجهاض خارج إيطاليا.
السلفادور: إن قانون الإجهاض الحالي في السلفادور سُن عام 1998، ويحظر الإجهاض في كل الظروف حتى في حال كان الحمل يعرض حياة المرأة للخطر أو في حالة الاغتصاب، كما تم تعديل المادة الأولى من الدستور السلفادوري في كانون الثاني، 1999 للاعتراف بحق الحياة من لحظة الحمل.( وبذلك يكون قد تم اكسابه الحماية الدستورية ليكون من الصعب تعديلها).
بين عامي 2000و 2011: (129) أمراة سلفادورية حُكمت بجرائم متعلقة بالإجهاض، وتم اتهام عدد هائل من النساء بتهمة الخضوع  للإجهاض، حاليا هناك (17) امرأة في السلفادور في السجن يواجهون عقوبة القتل بعد اتهامهم بالقيام بالإجهاض، حيث بداية كان يتم تصنيف الجريمة بداية كجريمة تتعلق بالإجهاض ثم يتغير الوصف إلى  القتل  مع ما يترتب على ذلك من نتائج  خطيرة، إذ قد تصل عقوبة جريمة القتل إلى السجن 50 عاماً.
قصة مانويلا : امرأة سلفادورية وأم لطفلين عمرها 33 عاماً عانت من مضاعفات أثناء الولادة في الثلث الثالث من الحمل أدت إلى إجهاض تلقائي، وعندما تم اسعافها الى المشفى لتتلقى العلاج  تم التعامل معها كما لو قامت بالإجهاض المستحث وتم تكبيلها واستدعاء الشرطة، وعند المحاكمة أدينت بالقتل وحكم عليها بالسجن ل 30 عاما. لم تتح لها الفرصة للدفاع عن نفسها أو توكيل محام وبعد صدور الحكم لم يسمح لها باستئنافه لعدم أهلية  التمثيل القانوني، ولاحقاً أثناء وجودها في السجن تم تشخيص اصابتها بسرطان الغدد اللمفاوية وتوفيت بعد مرور عام على سجنها.
تشيللي: إن القانون التشيلي السابق/1989/ في عهد بينوشيه –خلال الحكم العسكري- حرم الإجهاض بشكل مطلق، إذ كانت تصل عقوبته إلى الحبس خمس سنوات. لكن في بداية آب 2017 وافق مجلس الشيوخ التشيلي على مشروع قانون قدمته رئيسة الدولة بالسماح بالإجهاض حتى مرور 12 أسبوعاً على الحمل  في ثلاث حالات:
 صحة المرأة في خطر، أو إذا كان الجنين غير قادراً على الحياة،أو في حالة الاغتصاب. أما في حال كانت الحامل تحت 14 عاماً، فيُسمح بالإجهاض حتى 18 أسبوعاً
وطعنت المعارضة التشيلية المحافظة ضد هذا القانون أمام المحكمة الدستورية العليا،  وصدر حكم المحكمة الدستورية العليا التشيلية يوم الاثنين 21 آب 2017بدستورية القانون من حيث تشريع الإجهاض في الحالات الثلاث السابقة. 
المغرب: يحرم القانون المغربي الحالي الإجهاض بشكل كامل إلا في حالة  كان ضرورياً لانقاذ حياة الأم، ولكن بشرط أن يقوم به طبيب أو جراح بشكل علني، وأن يحصل على إذن من الزوج. وفي حال عدم الحصول على إذن الزوج يجب أن يتم إشعار الطبيب الرئيس للعمالة أو الاقليم. لكن بعد مشاورات بين وزارة العدل والحريات ووزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية والمجلس الوطني لحقوق الإنسان، تم التوصل إلى مقترح بتوسيع مجال حق الإجهاض ليشمل: 
أ- عندما يشكل خطراً على حياة الأم أو صحتها.
ب- عندما يحدث الحمل غير المرغوب فيه بسبب اغتصاب أو زنا المحارم.
ج- عندما يصاب الجنين بتشوهات خلقية أو أمراض عُضال.
ثم لاحقاً تم الاعلان عن بلاغ صادر عن الديوان الملكي في المغرب بعد لقاء الملك محمد السادس مع مسؤولي تلك المؤسسات، فأصدر الملك تعليماته إلى  وزارة العدل والحريات ووزارة الصحة لتحويل مخرجات المشاورات إلى نصوص قانونية، لكن بشرط «احترام تعاليم  الدين الاسلامي والتحلي بفضائل الاجتهاد والتماشي مع تطورات المجتمع المغربي».
سورية: إنَّ قانون العقوبات السوري يعاقب على الإجهاض حتى لو كان عمر الجنين يوماً واحداً، وليس هناك من مبرر للإجهاض في قانون العقوبات السوري، بل هناك عذر مخفف وفق المادة /531/ «تستفيد من عذر مخفف المرأة التي تجهض نفسها محافظة على شرفها ويستفيد  كذلك من العذر نفسه من ارتكب إحدى الجرائم المنصوص عليها في المادتين 528 و 529 للمحافظة على شرف احدى فروعه أو قريباته حتى الدرجة الثالثة». وهنا نجد أن القانون قد منح عذراً مخففاً وليس عذراً محلّاً حتى في حال القيام بالإجهاض.
لم يفرق قانون العقوبات السوري بين الإجهاض والشروع فيه، وحتى في حال كانت المرأة غير حامل (مادة 530)، ويعاقب القانون على اقتناء أو ترويج أو تسهيل استعمال وسائل الإجهاض وبيع هذه المواد أو عرضها. لقد عمد القانون إلى تشديد العقوبة القانونية في حال إذا ما قام بالإجهاض طبيب  أو صيدلاني أو مستخدم لديهم وقد تصل العقوبة للمؤبد. لكن وفقاً لقانون تنظيم مهنة الطب مادة/47/ فقرة /ب/ يُحظر على الطبيب القيام بالإجهاض بأي وسيلة إلا إذا كان استمرار الحمل يشكل خطراً على حياة الحامل ويُشترط حينئذ موافقة طبيبين على  الأقل أحدهما أخصائي يقوم بالعملية / أن يحرر محضر بتقرير الحاجة المبرمة للإجهاض قبل العملية / أن تنظم منه أربع نسخ أو أكثر حسب اللزوم يوقعها الأطباء والمريضة أو زوجها أو وليها وتحتفظ الأسرة وكل من الأطباء بواحدة منها .
الخاتمة:
على الرغم من الدعوات على الصعيد الدولي لتوسيع المساحة القانونية للإجهاض الآمن وتجمع كيانات في أطر مختلفة دولية أو اقليمية، فنجد أن هناك طيفا كبيراً من التباين في مواقف الدول من حيث تشريع الإجهاض، حسب الخلفيات الاجتماعية الدينية والاقتصادية.
ومن الصعب جداً حصر حالات الوفيات والعجز الناجمة عن الإجهاض غير الآمن إذ أنها تحدث بشكل سري أو غير قانوني في كثير من الحالات بسب الخوف من ردة الفعل المجتمعية أو العقوبة الرادعة القانونية، لذلك هناك الكثر من حالات الوفيات أو الإعاقة أو المضاعفات الناجمة عن الإجهاض غير الآمن والتي لا يتم توثيقها.
النتائج: 
أ-إن فرض القوانين التقييدية على الإجهاض القانوني لا يؤدي إلى التقليل من اللجوء إلى الإجهاض، لكن يؤدي إلى التقليل من فرص النساء في الحصول على الإجهاض الآمن، بدفعهن إلى اللجوء إلى الممارسين غير المختصين وغير الماهرين أو في ظل ظروف صحية سيئة.
ب-تضيق الخناق على المساحة القانونية لممارسة الإجهاض، يُشكل عبءً ثقيلاً على كاهل النساء، فيدفعهن أحياناً إلى السفر إلى خارج مكان إقامتهم للخضوع للإجهاض.
ت-إن المضاعفات التي تنجم عن الإجهاض غبر الآمن لها آثار مباشرة قصيرة المدى على صحة المرأة الجسدية والنفسية ( كالنزف أو الرضوض)، ولها آثار بعيدة المدى غير مباشرة (العقم) أو في حال حدوث مضاعفات قد ينجم  عنها اعاقة مؤقتة أو دائمة.
ث-حتى في ظل وصول القوى العلمانية التقدمية إلى مواقع صنع القرار في الدول والظهور لأول وهلة بأن القوى الدينية تتراجع لتحصر مهامها في الشؤون السماوية، فنجد  سعي القوى المحافظة والدينية متى سنحت لها الفرصة أن تبذل قصارى جهدها لاستخدام الأحزاب التي تشاركها المبادئ في البرلمان كآلية لتعطيل تمرير قوانين تحررية تتعلق بحقوق المرأة عموماً، و بالإجهاض خصوصاً.
ج-في ظل استمرار هيمنة الأفكار الذكورية والمحافظة على المجتمعات، سيبقى موضوع الإجهاض القانوني الآمن والطوعي، إحدى أكبر التحديات التي تقف عائقاً في وجه ممارسة المرأة لحقوقها الإنسانية والإنجابية واتخاذها للقرارات المسؤولة فيما يتعلق بحياتها الخاصة.
ح-إن التعامل مع موضوع الإجهاض لايزال يتم على أساس اعتباره موضوع اشكالي يخضع لاعتبارات اجتماعية ودينية وخلفيات متباينة وليس كحق من الحقوق الإنجابية المتلازمة مع حقوق المرأة.
خ-دول الاتحاد الأوربي عموماً قطعت أشواطاً عن غيرها من الدول في منح المرأة حقوقها الكاملة فيما يتعلق بحقوقها الإنجابية ومن ضمنها الإجهاض.
د-سورية من الدول ذات التقيد الصارم للإجهاض (مسموح فقط في حالة الخطر على حياة المرأة)
أو عذر مخفف للحفظ على شرفها ( فهل يُعقل أن تتعرض لاغتصاب ومن ثم إذا  حاولت إجهاض ثمرة الاغتصاب تتم ادانتها لكن مع منحها عذر مخفف).
المقترحات والتوصيات :
أ-تشريع الوصول إلى خدمات الإجهاض الآمن والقانوني ضمن شروط تتناسب وصحة المرأة الجسدية والنفسية واحترام حقوقها الإنسانية والإنجابية، مع مراعاة الاعتبارات الأخرى ضمن الحدود المعقولة والمنطقية والتي تنسجم مع الصكوك الدولية لحقوق الإنسان والقواعد الطبية.
ب-تحصين حقوق المرأة وتفعيل الأدوات والوسائل القانونية الكفيلة بحمايتها.
ت-نشر برامج وحملات التوعية والتثقيف المدني والاجتماعي ورفع مستوى الوعي حول الحقوق الإنجابية وموضوع تحديد النسل واستخدام موانع الحمل.
ج-يجب العمل على نشر مفهوم اعتبار حق المرأة في الإجهاض حقاً ملتصقاً بشدة مع حقوقها الإنسانية، وعلى اعتبارها الأقدر على اتخاذ القرار فيما يتعلق بالقيام بالإجهاض أم لا وخصوصاً في حالات الضرورة  القصوى حيث يكون استمرار الحمل يُشكل عبئاً ثقيلاً على كاهل المرأة  على أي مستوى، إذ لا يمكن في مثل هذ الحالات اللجوء إلى قاعدة الموازنة بين المنافع والأضرار، وتكون المرأة فقط قادرة على تقدير مدى حاجتها للإجهاض.
ح-إلغاء القوانين التقييدية الصارمة التي تعد انتهاكاً سافراً لمواثيق حقوق الإنسان ومن ضمنها حقوق المرأة، وفتح المجال أمام الإجهاض القانوني في ظل مساحة واسعة من الشروط تتناسب والظروف الخاصة بكل امرأة، وعلى أدنى تقدير (في حالات الإغتصاب، والخطر على صحة المرأة، واعتلال الجنين)، في حال عدم تشريع الإجهاض الطوعي القانوني الإرادي.
خ-حماية حقوق النساء من خلال إكسابها الحصانة الدستورية.
 
المراجع
1-باللغة العربية :
المرسوم التشريعي 12 لعام 1970 الخاص قانون تنظيم مهنة الطب في سورية 
جريمة الإجهاض بين الشريعة والقانون، بحث منشور على منتدى الأوراس القانوني، بتاريخ 28/2/2010، متوفر على الرابط : http://sciencesjuridiques.ahlamontada.net/t1071-topic
جريمة الإجهاض في القانون الجزائري، بحث منشور على الويب بتاريخ 7/12/2014 متوفر على  الرابط : http://www.tribunaldz.com/forum/t2416
د. حسين كامل نوفل،الإجهاض، محاضرة
قانون العقوبات السوري الصادر بالمرسوم 148 لعام /1949/ وتعديلاته
مقال منشور على الويب حول الإجهاض في المغرب على الرابط التالي :
https://arabic.cnn.com/middleeast/2015/05/19/morocco-abortion
2-باللغة الانكليزية:
The Circumstances of Karen Case is available on web at :                                            
http://hrlibrary.umn.edu/undocs/1153-2003.html                                                         
-Abortion worldwide : seventeen years of reform، briefing paper، center for reproductive rights،2011.
-Abortion worldwide : twelve years of reform، briefing paper، center for reproductive rights،2007.
-Chile court lifts complete ban on abortion، article available on web at : http://www.aljazeera.com/news/2017/08/chile-court-lifts-complete-ban-abortion-170821174541491.html
- Chile passes bill to legalize abortion in certain cases، article available on web at :
https://www.theguardian.com/world/2017/jul/19/chile-abortion-mother-rape-life-legalization
-Chile's president defiant over abortion changes، article available on web at:
http://www.bbc.com/news/world-latin-america-37336279
definition of abortion، is available on the web at:  -
https://definitions.uslegal.com/a/abortion/: 
(https://en.wikipedia.org/wiki/European_Citizens%27_Initiative)-
- Mabuto Protocol
-Population Policy Data Bank maintained by the Population Division of the Department for Economic and Social Affairs of the United Nations Secretariat.
-Reproductive Rights In EU، Lorenza Perini، presentation was presented at Padova University 2015-2016.
-Reproductive Rights are human rights، handbook، UN، 2014.
-Safe abortion، briefing paper، center for reproductive rights،2005.
   briefing paper، center for RPR،2011. -Safe and legal abortion is a women’s human right،
-Safe Abortion technical and policy guidance for health system، World Health Organization، Second Addition.
 http://www.bbc.co.uk/religion/religions/judaism/jewishethics/abortion_1.shtm-
-The total criminalization of abortion in El Salvador، Center For Reproductive Rights، p.1-2. 
 
لتحميل الملف بصيغة PDF إضغط هنا