التحوّل الجنسي بين تقييد القانون ورفض المجتمع

التحوّل الجنسي بين تقييد القانون ورفض المجتمع

المحامية ميرنا فرّوج – مركز المواطنة المتساوية

 

"البعض يقول أنّ الميول الجنسية والهوية الجنسية قضيتان حسّاستان. وأنا أتفهم ذلك. ومثل الكثير من أبناء جيلي، لم أتطرّق إلى تلك القضايا في نشأتي. إلاّ أنني تعلمت أن أتحدث بصوت واضح في هذا الصدد لأنّ هناك أرواحاً معرضة للخطر، ولأنّ من واجبنا بموجب ميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان أن نحمي حقوق كلّ فردٍ في كلّ مكان".

بان كي مون الأمين العام السابق للأمم المتحدة أمام مجلس حقوق الإنسان- 20/ أذار 2012

 

 

يُثار من وقت لآخر موضوع التحوّل الجنسي، المثلية الجنسية أو الميول الجنسية الثنائية، وتختلف الآراء حول هذه الظاهرة التي يحاربها الكثيرون ويتخذون من أصحابها موقف العداء، فيما يراها البعض الآخر خروجاً عن المألوف الاجتماعي والشكل الطبيعي للعلاقات الجنسية واضعاً إياها في خانة الشذوذ، ويعود ذلك إلى عددٍ من الأسباب منها الجهل في فهم الواقع الطبي والقانوني والاجتماعي لهؤلاء الأشخاص.

يصف التحوّل الجنسي الأشخاص الذين لا تتــطابق هويتــهم أو تعـبيرهم الجــنسي مع الجنس الذي ولدو فيه، فعلى سبيل المثال، قد يتم تـعريف الشّخص المتحوّل جنسيًا على أنه امرأة برغم ولادته بأعضاء تناسلية ذكرية.
ويبدأ التحوّل انطلاقاً من اضطراب الهوية الجنسية والذي هـو تشخيص يطلقه علماء النفس على الأشخاص الذين لا يشعرون بالارتياح من الانتساب إلى نفس الجنس الذين ولدوا به، كأن يشعر رجل ما بأنه يجب أن يكون أُنثى نتيجة سلوكه وعواطفه ورغباته الجنسية المغايرة لطبيعته الفيزيولوجية، والعكس صحيح.

تمت أوّل عملية تحول جنسي في العالم لشاب دنماركي يدعى «اينار فيغينز» والذي أصبح لاحقا «ليلي البه»، حيث سافر في العام 1930 إلى ألمانيا لإجراء جراحة إعادة تحديد الجنس، والتي كانت في مرحلة تجريبية في ذلك الوقت، وقد أجرى سلسلة من أربع عمليات جراحية على مدى سنتين، تمّ إزالة الخصيتين في الجراحة الأولى، تحت إشراف عالم الجنس ماغنوس هيرشفيلد في برلين، ثمّ تمّ تنفيذ باقي الجراحات من قبل د. كورت فارنيكروس، وهو طبيب في عيادة دريسدن المحلية للنساء حيث أجريت العملية الثانية لزرع مبيض في عضلات البطن، والثالثة لإزالة القضيب وكيس الصفن، وفي الرابعة تمّ زرع الرحم وبناء القناة المهبلية.

وأسّس (والصحيح أسّست) بذلك لنقلة في علم الجراحة، لكنّها أسّست لنقلة أهمّ في تغيير ثقافة النوع البشري، وتفهمه للحالة الطبية للمتحوّلين، ثم تقبلهم.

 

التحوّل الجنسي من وجهة القانون

حتّى اليوم لا توجد في معظم البلدان العربية أية قوانين تحمي حقوق المتحولين جنسياً أو تمنحهم الحق في تغيير سجلاتهم المدنية، ويعود سبب ذلك إلى عادات المجتمع وتقاليده التي تنبذ كلّ ما هو مغاير لجزء المألوف من الطبيعة (وتصفه بالشاذ)، وهو ما يؤثّر على طبيعة حياتهم، ويجعلهم ضحية للاضطهاد والمعاناة والأمراض النفسية، ولكن رغم ذلك يمكننا القول أنّ القضاء اللبناني قد أبرز إلى حدّ ما، دوراً ايجابياً في هذا المجال، فقد وافق على إمكانية التحوّل الجنسي شريطة أن يكون الموضوع متعلقا بتصحيح لوضع جسدي يفرض التغيير، لكنه في المقابل رفض أي تحول ولو حصل في الواقع إذا ما كان الأمرلا يستدعي ذلك.

ففي عام 2015 أقرَت محكمة الاستئناف اللبنانية قراراً سمح بتغيير قيد مواطن متحول جنسياً من أنثى الى ذكر. ولهذا القرار أهمية بالغة، لأنّها المرة الأولى التي تُصدر فيها محكمة الاستئناف قراراً بهذا الخصوص. وقد استندت المحكمة في قرارها هذا على عدّة أسباب من بينها حقّ الفرد في علاج حالته المرضية، إذ اعتبرت أنّه وفقاً لتقرير الطبيب لم تكن العلاجات النفسية والهرمونية كافية لعلاج مرض اضطراب الهوية الجنسية، وأنّ العمليات الجراحية كانت ضرورية لاستكمال هذا العلاج، فاستندت المحكمة في ذلك على نصّ المادة 30 من قانون الآداب الطبية اللبناني رقم 280/1994 ولا سيما الفقرتين 4 و5 منها، والذي يستنتج من قراءتهما أنّ القانون لا يمنع الأعمال الطبية التي تؤدي إلى تغيير الجنس متى كانت مبرّرة بحالة من الضرورة القصوى، أو بحالة طارئة.

واعتبرت المحكمة أنّ ولادة المستأنفة بجسم أنثى لا ينفي واقع معاناتها من مرض اضطراب في الهوية الجنسية منذ طفولتها، وذهبت المحكمة وعلى عكس القرار البدائي إلى القول أنّه ليس هناك ما يدلّ على أنّها تسبّبت لنفسها بهذا المرض بفعل إرادي منها. كما أكّدت المحكمة على أنّ حقّ الشخص في تلقي العلاج اللازم لما يعانيه من أمراض جسدية ونفسية، هو حقّ أساسيّ وطبيعيّ ولا يمكن لأحد أن يحرمه منه.

وتوصّلت المحكمة أخيراً إلى فسخ القرار المستأنف، وإعطاء قرار جديد بتصحيح قيد المستأنفة في سجل النفوس بحيث يعتبر جنسها ذكراً بدلاً من أُنثى، وتدوّن كافة المعلومات المتعلقة بها بصيغة المذكر بدلاً من المؤنث.

من جهة أخرى احتلت إيران المرتبة الثانية عالمياً في إجراء عمليات التحوّل الجنسي بعد تايلاند. ويعود السبب في احتلال إيران هذه المرتبة، إلى فتوى أصدرها الخميني سنة 1963 عن عدم وجود أيّ تحريمٍ في الدّين الإسلامي، لإجراء عمليات تصحيح الجنس، إلاّ أنّ فتاويه لم تحدث أثراً كبيراً في ذلك الوقت، كونه كان ثائراً ضدّ نظام الشّاه.

ولكن بعد قيام الثّورة الإسلامية أصبحت هذه الفتوى رسمية بعد أن راسل شاب الخميني طالباً منه إذناً شرعياً للتحوّل إلى امرأة فقال الخميني في هذا الصدد «إذا أراد أحدهم تغيير جنسه الحالي لأنه يشعر أنه عالق داخل جسد غير جسده يحق له التخلص من هذا الجسد والتحوّل إلى جنس آخر، بالإضافة إلى الحصول أيضاً على أوراق ثبوتية جديدة وذلك لوضع حد لمأساتهم».

وهذه الفتوى للخميني فتحت الباب لإجراء أكثر من ألف عملية تحوّل جنسي خلال سنوات، وهذا الرقم يتجاوز سبع مرات نظيره في الدول الأوربية.

إذا كانت القوانين تضمن الحق والحرية للإنسان في اختيار دينه واسمه ونسبه فينبغي عليها أن تمنح المتحولين جنسياً الحقّ في التعبيرعن الهُوية الجنسية التي يرغبون بالانتماء، وأن ينظر إلى ذلك كحق مشروع وطبيعي في التعبير عن الذات.

 

*الصورة المرفقة من رسوم الكاتب الألماني فرانز كافكا