العنف الأسري كأحد أخطر أنواع العنف ضد المرأة

العنف الأسري كأحد أخطر أنواع العنف ضد المرأة

المحامية رولا بغدادي- مركز المواطنة المتساوية

 

يعدّ العنف الأسري من أكثر أشكال وأنواع العنف ضد المرأة انتشاراً، ويعرّفه باحثون بأنه العنف الذي يرتكبه الشريك الحميم أو الشركاء السابقين وأفراد الأسرة الآخرين ضد المرأة.

وعلى الرّغم من أنّ المرأة يمكن أن تكون مرتكبة العنف الأسري، إلاّ أنّ هذه الحالات تشكل نسبة صغيرة جداً بمقابل وجود ظاهرة متفشية تتمثل بالعنف الأسري الواقع على المرأة من قبل الرجال.

ويُصنّف الباحثون العنف الأسري كأحد أخطر أنواع العنف التي قد تتعرض لها المرأة، وخصوصاً أنه يحصل في أغلب الأحيان في المنزل، وهو المكان الذي يفترض فيه أنه الحيّز الأكثر أماناً بالنسبة للمرأة، إلاّ أنه فعلياً يُشكل أحد أخطر الأماكن على النساء بسبب طبيعة العنف الذي يمارس عليهن من قبل الذكور الذين هم في مواقع حميمية وثقة عند المرأة كالآباء، والإخوة، والأعمام، والأبناء، والأزواج، والشركاء العاطفيين، وأقارب آخرين.

ويتم العنف الأسري عبر ممارسات عديدة كالاعتداء الجسدي مثل الصفع، والضرب، والتهديدات بواسطة السلاح، والقتل. ويشمل أيضاً الممارسات التقليدية الضارّة بالمرأة مثل تشويه الأعضاء التناسلية للإناث، إضافة إلى الاعتداء الجنسيّ. كما ويشتمل على الإساءة النفسية كالتخويف والاضطهاد. ويشمل الإيذاء الاقتصادي كالحرمان من الأموال، والغذاء والاحتياجات الأساسية، والرعاية الصحية، والعمل. ويشكل التمييز على أساس الجنس في التغذية والتعلیم وإمكانية الوصول إلى هذه الحقوق انتهاكاً لحقوق المرأة والفتيات الصغيرات، ويُدرج كنوع من أنواع العنف الممارس ضدّها.

وتشير الدراسات إلى أنّ العنف الأسري غالباً ما يشكل دورة تعاني منها المرأة في كافة أدوار حياتها، فهو يبدأ مع الإجهاض الانتقائي جنسياً، والذي يستهدف التخلص من الحمل إذا كان الجنين أنثى، ولا ينتهي مع التمييز القائم على نوع الجنس ضد الفتاة في الحصول على التعليم والرعاية الصحية، وتشويه الأعضاء التناسلية، والعنف الجنسي، وتزويج القاصرات، والضرب والقتل على أيدي الشركاء الحميمين والحمل القسري والإجهاض والتعقيم، والقتل باسم الشرف.

الآثار الكارثية للعنف الأسري

يؤثرالعنف الأسري سلباًعلى حياة المرأة وصحتها الجسدية والنفسية والجنسية والإنجابية، وتشير منظمة الصحة العالمية إلى الآثار الصحية الوخيمة المترتبة على العنف ضدّ المرأة ومنها الوفاة، والإصابات البدنية، والعدوى المنقولة جنسياً بما فيها فيروس نقص المناعة المكتسبة،  والحمل غير المقصود، والإجهاض العمدي، والاكتئاب.

 ويمكن القول إنّ العنف الممارس من الشريك الحميم يضع المرأة في خطر جدي على الحياة، إذ تشير الإحصائيات إلى أن ثلث النساء اللواتي توفين قد قتلن على يد شريكهن الحميم. في حين أنّ النساء اللواتي عنفن جسدياً أو جنسياً من قبل أزواجهن ترتفع احتمالات تعرضهن للإجهاض مرتين أكثر، وترتفع احتمالات إصابتهن بالاكتئاب مرتين أكثرأيضاً.

وفي حين أنّ تأثير الأذية الجسدية قد يكون أكثر وضوحاً من الأذية النفسية، إلاّ أنّ الأخيرة تنطوي على خطورة بالغة، إذ تترك المرأة في حالة نفسية مزعزعة وغير مستقرة، مع إحساس بالعجز والمهانة. ويناقش الفقهاء وخبراء حقوق الإنسان، أنّ تلك الممارسات العنفية النفسية قد تؤدي إلى نتائج قاتلة ثمّ أنها تقارب التعذيب بطبيعته وخطورته، وخصوصاً أنها غالباً ما ترتكب عمداً ولأهداف محددة كعقاب المرأة وترهيبها والسيطرة عليها.

وتشير الدراسات إلى الترابط الوثيق بين العنف المنزلي والانتحار، استناداً إلى دراسات أجريت في الولايات المتحدة، وفيجي، وغينيا الجديدة، وبيرو، والهند، وبنغلاديش، وسريلانكا. إذ أنّ احتمالات الانتحار تتضاعف إلى 12% بالنسبة للنساء اللواتي تعرضن للعنف المنزليّ.

بالمقابل، فإنّ التمييز الذي يؤدي إلى إهمال الطفلات الإناث هو أكبر سبب للمرض والوفاة بين الفتيات، إذ يتلقين في البلدان النامية تغذية أقلّ من الأولاد، وهنّ أكثر احتمالاً للمعاناة من الإعاقة العقلية أو الجسدية، والموت نتيجة سوء التغذية، إضافة إلى قلة فرص الوصول إلى الرعاية الصحية ما يسبب معدل وفيات أعلى بكثير بين الفتيات.

وفي جميع أنحاء العالم تعاني النساء والفتيات من الآثارالضارة والمهدّدة للحياة من الممارسات التقليدية والثقافية التي تستمر تحت غطاء ثقافي واجتماعي من المعتقدات الدينية وغيرها، كختان الإناث حيث تشير الإحصائيات إلى أن مايقرب من 130 مليون امرأة في جميع أنحاء العالم قد تعرضن لتشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية، وأنّ ما يقرب من مليوني امرأة  يخضعن لهذا الإجراء كلّ عام. ويكون الأطفال الذين يتعرضون للعنف الأسري، أو يشهدونه، أكثر عرضة لأن يكونوا هم أنفسهم ضحية العنف في المستقبل، وهم معرضين لتشرب العادات والقيم المجتمعية التي تربط الرجولة بممارسة العنف وتعلم العنف كوسيلة لحل الصراعات والمشاكل. بالمقابل، فإنّ الفتيات اللواتي كنّ ضحية العنف في طفولتهن هن أكثرعرضة للانخراط في سلوك محفوف بالمخاطر، مثل الجماع المبكر، مايزيد من خطر الحمل المبكر غير المرغوب فيه، والانخراط في علاقات مع معنفين تجعل من الصعب على الفتاة التمكن من استخدام وسائل منع الحمل أو التفاوض من أجل جنس أكثرأماناً، وبالتالي تتعاظم مخاطر الإصابة بالأمراض المنقولة عن طريق الجنس.

وتتكبد الدول مبالغ هائلة في معالجة آثار العنف الأسري ومنها نفقات الطبابة والخدمات الاجتماعية والقانونية وتكاليف الدخل المفقود، إذ يؤثر العنف الأسري على الاقتصاد فالتكاليف الاجتماعية  والاقتصادية والصحية للعنف تعد عالية جداً وتثقل كاهل اقتصاد الدول، كما أنّ التمييز ضدّ المرأة، وهو أحد أسباب العنف الأسري، يُعدّ سبباً من أسباب تقويض أهداف التنمية البشرية. إذ لا يمكن للبلدان الوصول إلى إمكانياتها الاقتصادية الكاملة إذا لم تكن المرأة مشاركة بفعالية في جميع برامج التنمية الاجتماعية للتخفيف من وطأة الفقر.

 

العنف الأسري في الصكوك الدولية

يمكن القول أنّ هناك معاناة واضحة في رصد جريمة العنف الأسري على الصعيد العالميّ، إذ تشير الإحصائيات إلى أنّ نسبة النساء اللواتي يلجأن إلى التبليغ عن جرائم العنف الممارس عليهن أقل من 10% في كلّ أنحاء العالم. وتشير الأرقام والإحصائيات العالمية إلى وجود كارثة حقيقية في مسألة العنف الواقع على المرأة وخصوصاً العنف الأسري، وفق الآتي:

1.يرتكب ما يقارب من 38 في المائة من جرائم قتل النساء من قبل الشريك الحميم من الذكور.

2.نسبة النساء اللاتي تتراوح أعمارهن بين 15 و 49، واللاتي  تعرضن للعنف البدني/ النفسي من الشريك الحميم تتراوح بين 15% و 71%.

وقد دفع تعاظم الكارثة واستفحالها على الصعيد العالمي العديد من المنظمات الدولية والمنظمات المعنية بحقوق الإنسان والمنظمات النسوية إلى طرح الظاهرة على الصعيد الدولي، ووضع الحقوق الإنسانية للمرأة على جدول أعمال الدول والمؤتمرات الدولية. إذ أكدت العديد من المعاهدات والصكوك والمؤتمرات الدولية على مكافحة العنف ضد المرأة، وعلى الحقوق الإنسانية للمرأة، وعلى مكافحة التمييز على اساس الجنس. وقد قاد هذا الاهتمام المتنامي إلى فهم أفضل للأسباب ونتائج العنف ضدّ النساء. كما قاد إلى اتخاذ خطوات إيجابية في بعض البلدان، كإصلاح القوانين، أو تغييرها. ومنها على سبيل المثال:

-الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذي اعتمد في عام 1948، والذي أكد على حقّ المساواة كحقّ أصيل من حقوق الإنسان ومنع التمييز على أيّ أساس.

-المؤتمر العالمي لحقوق الإنسان المنعقد في فيينا عام (1993) اعتبر أنّ حقوق النّساء والفتيات، هي حقوق غير قابلة للتصرّف، وهي جزء لا يتجزأ من حقوق الإنسان العالمية.

-شكّل إعلان الأمم المتحدة القضاء على العنف ضدّ المرأة في كانون الأول من عام 1993 وثيقةً دوليةً مناسبة لمناهضة العنف ضدّ المرأة، إلى جانب الوثائق الدولية الأخرى.

-في عام 1994، قامت لجنة حقوق الإنسان بتعيين أول مقررة خاصة معنية بالعنف ضدّ المرأة، وتكليفها بمهمة التحليل وتوثيق الظاهرة، ومساءلة الحكومات عن الانتهاكات ضدّ المرأة.

-مؤتمر المرأة في بيجين (1995)، وقد طرح مسألة القضاء على جميع أشكال العنف ضدّ المرأة باعتبارها واحدة من اثني عشر من الأهداف الاستراتيجية والإجراءات الواجب اتخاذها من قبل الحكومات والأمم المتحدة والمنظمات الدولية، والمنظمات غيرالحكومية.

-وقد ذكر العنف القائم على نوع الجنس عل ىوجه التحديد في عام 1979 في اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضدّ المرأة. وقد اعتمد تنفيذ الاتفاقية في عام 1993، ونصّت التوصية العامة رقم 19 على أنّ العنف ضدّ المرأة هو شكلٌ من أشكال التمييز التي تمنع المرأة من التمتع بالحقوق والحريات على أساس المساواة مع الرّجال، وهو يطلب من الحكومات أن تأخذ ذلك في الاعتبار عند وضع قوانينها وسياساتها.

وبموجب البروتوكول الاختياري الجديد لسيداو الذي اعتمده الأمين العام للأمم المتحدة وعرضه على التصديق  في تشرين الأول / أكتوبر 1999، اعترفت الدول بسلطة لجنة تلقي الشكاوى والنظر فيها من قبل الأفراد أو الجماعات داخل الولاية القضائية للدولة، وعلى أساس هذه الشكاوى يمكن للجنة بعد ذلك إجراء تحقيقات سرية وإصدار طلبات عاجلة للحكومة، واتخاذ إجراءات لحماية الضحايا من الأذى، ممّا يجعل الاتفاقية متسقة مع غيرها من صكوك حقوق الإنسان مثل اتفاقية مناهضة التعذيب.

وقد قاد هذا الزخم المتنامي إلى فهم أفضل لأسباب ونتائج العنف ضد النساء، كما قاد إلى اتخاذ خطوات إيجابية في بعض البلدان، كإصلاح القوانين، أو تغييرها. وتستند قوة هذه المعاهدات إلى إجماع دولي، وبافتراض أنّ جميع الممارسات التي تضرّالنّساء والفتيات، يجب أن تكون معرضة للتحقيق، وخصوصاً أنّ الحكومات ملزمة بموجب هذه المعاهدات بحماية النساء، وأيضاً بالتحقيق بالانتهاكات ضدهن.

تضخم ظاهرة العنف الأسري في سورية

يشكل العنف الأسري في سورية ظاهرة أخذت بالتضخم مع تزايد وتيرة العنف في البلاد بعد عام 2011، إذ أعلن السيد حسين نوفل، رئيس “الهيئة العامة للطب الشرعي بسورية” في تصريح صحفي، أنّ عدد حالات العنف الأسري سواء على المرأة أو الأطفال قد ارتفعت بشكل ملحوظ في ظل الأزمة الحالية، ونوّه إلى أنّ نسبة تعرض المرأة للعنف الأسري ارتفعت حالياً إلى 50 بالمئة سواء من الزوج أو الإخوة أو الآباء. ومع ازدياد انتشار السلاح المنفلت، حذرت العديد من الدراسات من ازدياد خطر العنف الأسري وخصوصاً مع انتشار وجود الأسلحة الصغيرة في المنازل، ما يشكل خطراً كبيراً على حياة المرأة بالدرجة الأولى، وخصوصاً عندما تكون ضحية عنف منزلي مستمر، حيث أنّ وجود الأسلحة الصغيرة في المنزل يزيد من احتمالية تحول العنف المنزلي إلى جريمة قتل ضحيتها المرأة إلى خمسة أضعاف. وعلى الرغم من أنّ ظاهرة العنف الأسري في سورية ليست جديدة ولا هي وليدة الحرب، وإنما هي ظاهرة موجودة سابقاً، إذ أظهرت دراسة كانت قد نظمتها الهيئة السورية لشؤون الأسرة عن العنف الأسري في عام 2010 على عينة مؤلفة من 5000 سيدة من عمر ثمانية عشرة عاماً وما فوق من جميع أنحاء سورية، أنّ نسبة النساء اللواتي تعرّضن لأي شكل من أشكال العنف الأسري وصل إلى 22% من الحجم الكلي للظاهرة، والعنف النفسي إلى 26%، والعنف الجسدي إلى 18%، ثمّ العنف الجنسي إلى 4%. وكان أكثر أساليب العنف الجسدي المستخدم ضد النساء هو الصفع والضرب أواللكم بنسبة 45.1% من النساء اللواتي شملتهن الدراسة.

وعلى الرغم من صعوبة الوصول إلى إحصائيات دقيقة يمكن أن توضح حجم الظاهرة، وخصوصاً مع اندلاع الحرب، والتهجير والنزوح الذي تعرض له السوريين والسوريات، فإنّ الإحصائيات الموجودة قد تمثل إشارة لحجم الظاهرة والتي تعاني على الصعيد العالمي من إشكاليات جدية متعلقة بعدم التبليغ.

العوامل المساهمة في نشوء ظاهرة العنف الأسري

تشير الدراسات إلى أن علاقات القوة غير المتكافئة بين الرجال والنساء تاريخياً، تعدّ من العوامل المساهمة في هذا النوع من العنف. فعبر الأسرة يتم فرض علاقات السلطة والخوف من الذكر، والسيطرة على الحياة الجنسية للإناث، والاعتقاد بالتفوق الأصيل للذكور. كما وتلعب علاقات العنف والاضطهاد في المجتمع مع تكريسها في القانون عبر تشريع العنف والتمييز  دوراً رئيساً في  تثبيت حالة تبعية المرأة، وخصوصاً بما يتعلق بالقوانين التمييزية في العمل والضمان الاجتماعي. إضافة إلى حرمان المرأة من الإرث، مع وجود إطار قانوني عام تنعدم فيه المساواة وتكافؤالفرص، إضافة إلى إهمال تعليم المرأة، وتزويج القاصرات.

وفي وضع المرأة السورية يكاد لا يخلو قانون سوري من التمييز ضد المرأة أو الافتقار إلى آليات دعم إيجابي للمرأة بمواجهة محيط اجتماعي و اقتصادي و سياسي معادي للنساء، كالتمييز في قوانين الأحوال الشخصية، و هو أحد أخطر أنواع التمييز ضد المرأة إذ يرتبط بشكل مباشر بتثبيت حالة المرأة في وضع ثانوي وهش مقارنة بالرجل، ما يجعلها معرضة وبشدة  للعنف الأسري بكل أشكاله، بل والبقاء حبيسة ضمن دوامة هذا العنف إلى أجل غير مسمى وخصوصاً مع قوانين الطلاق والوصاية الجائرة.

و يشير باحثون إلى أنّ حالات النزاع وما بعد النزاع والتشرد تؤدي إلى تفاقم العنف، وقد تؤدي أيضاً إلى أشكال جديدة من العنف ضدّ المرأة، وقد تأثرت المرأة السورية بشكل مباشر بتبعات الحرب، إذ عانت من التهجير و النزوح لأكثر من مرة في حالات عديدة، مع غياب الرجل عن العائلة في كثير من الأحيان، كل ذلك ساهم في تعرضها لأشكال جديدة من العنف و الابتزاز مع عدم توافر المال و المسكن الآمن، و خصوصاً عند محاولتها الحصول على عمل مع غياب أية إمكانيات علمية أو مهارات أو خبرة سابقة لديها، كل ذلك عرضها لمعتدين ومتحرشين ومبتزين ضمن أجواء عامة غير آمنة بسبب الحرب.

كما وتشير الدراسات إلى أن التعليم المنخفض والتعرض سابقاً للعنف أثناء الطفولة أو مشاهدة العنف الواقع على الأم من قبل الأب أو الشريك الحميم، إضافة إلى عقلية السيطرة على المرأة والتعامل معها على أنها مخلوق أدنى يمكن تأديبه وتعنيفه واستضعافها، إضافة الى الاستخدام الضار للكحول، كل تلك العوامل تساهم في ازدياد فرص أن يكون الرجل أكثر عرضة لارتكاب العنف.وقد يزداد العنف ضدّ المرأة أوقات الركود والبطالة. لكنّ الفقرليس السبب الجذري لذلك العنف، في حين أنّ الغرض الأساسي من العنف هوالكسب والحفاظ على السلطة والسيطرةعلى المرأة. ويرتبط العنف بانعدام الموارد الاقتصادية أو ضعفها، وفي أحسن الأحوال تجبر المرأة بقبول العمل الاستغلالي القائم على تدبير أمور المنزل والأطفال، ومن جهة أخرى بدون استقلال اقتصادي تكون المرأة مجردة من أي قدرة على الهروب من العلاقة المسيئة، وبالتالي فإن سلطة الرجل تمنع عن المرأة أي مورد اقتصادي، وذلك ما يكرس سلطة الرجل على المرأة و يتركها تابعة له.

بالمقابل فإنه في بعض الحالات يشكل زيادة النشاط الاقتصادي للمرأة واستقلالها سبباً للعنف، وخصوصاً مع التهديد الذي يشعر به الرجل العاطل عن العمل، وإحساسه بانعدام سيطرته الكاملة على الأسرة. وتربط الدراسات بين ارتفاع معدلات العنف وانعدام استقرار الأنماط الاقتصادية  في المجتمع.

ويشكل نقص تمثيل المرأة في مواقع صنع القرار وعدم وجود قوة نسائية منظمة، عاملاً هاماً من العوامل المؤثرة في اتساع ظاهرة العنف الأسري، وخصوصاً مع تغييب قضايا المرأة عن أولويات السياسات الحكومية، وعدم التعامل الجدي من قبل بعض الدول مع ظاهرة العنف الأسري.

آليات التغيير

نظراً لخطورة ظاهرة العنف الأسري، وتعدّد وتراكب العوامل المؤدية إلى تفشيها، فإنّ مناهضتها لا يمكن أن تتم بدون تغييرات جذرية على مستوى السياسات العامة للدولة على جميع الأصعدة، ويتطلب ذلك تبني سياسات المساواة وعدم التمييز بين الجنسين في جميع مفاصل الحياة الدستورية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية، و خصوصاً مع شيوع الظاهرة ضمن المجتمع السوري و مساهمة الحرب في استفحالها.

إنّ تبني النصوص والآليات الدستورية الضامنة للحق بالمساواة وعدم التمييز وتجريم العنف ضد المرأة يمثل أساس تشريعي لابد منه لبناء منظومة قانونية تكفل تطبيق هذه المبادئ، إلى جانب رفع تحفظات الدولة السورية جميعها عن اتفاقية سيداو ما يمكن أن يساهم في ترميم البنية التشريعية عبر استبعاد القوانين التمييزية وتكريس الحق بالمساواة بين الرجل والمرأة.

ولابد من قانون عنف أسري يعرف هذا النوع من العنف ويجرمه وفق آليات تتوافق وخصوصيته لناحية آلية الادعاء ووسائل الإثبات وآليات حماية الضحايا، ولأنّ المجتمع يعزز إرث قيمي و تقليدي غير مناصر للمرأة، يكون من الضرورة بمكان أن يشدّد القانون العقوبات ولو اتبع التدرج، ويمكن أن يكون اعتبار جرائم العنف الأسري من الجرائم الشائنة أمراً مفيداً على صعيد ردع هذا النوع من الجرائم، وتغيير الموقف المجتمعي منها.

ولا يعدّ قانون العنف الأسري كافياً طالما كانت قوانين الأحوال الشخصية تميّز ضدّ المرأة، أو تتجاهل التشريع لعلاقة زوجية تقوم على الشراكة و المساواة في جميع التفاصيل.

من ناحية أخرى، على الدولة أن تلتزم بتدريب العاملين لديها في المجال القانوني والقضائي والجنائي من قضاة، ومحامين، وأفراد شرطة، وعاملين في المشافي، على العنف القائم على النوع الاجتماعي والتعامل مع النساء المعنفات. إضافة إلى تأمين دور حماية كافية تستوعب النساء و أطفالهن. كما أنّ تيسير وصول المرأة إلى العدالة بات أمر لابدّ منه مع الارتفاع المضطرد للرسوم القضائية، والتدهور الاقتصادي العام و الذي ينال من النساء بداية، ويمكن ذلك من خلال إيجاد لجان مختصة ضمن نقابة المحامين تقدم المعونة القانونية المجانية للسيدات المعنفات، ولا بدّ من التفكير جدياً ببناء منظومة معونة قضائية أكثر عدالة تستهدف النساء المعنفات  بشكل خاص. يمكن أن يساهم ذلك كله بتشجيع النساء على الشكوى وطلب المساعدة، وبالتالي إنهاء العنف الذي يتعرضن له.

ويشكل دعم وصول النساء إلى مراكز صنع القرار خطوة بالغة الأهمية نحو الوصول إلى تشريعات ومجتمعات أكثر انصافاً نحو المرأة وقضاياها. ولابد أن يترافق كل ذلك مع سياسات تنمية شاملة تستهدف المرأة وتقوم على إشراكها بشكل فعال ومتساوي مع الرجل في عملية التنمية الوطنية و المحلية.

و على الرغم من أن عملية تطوير القوانين تؤثر بالمجتمع بطريقة فعالة، لكنها قد تتطلب وقتاً أطول من المتوقع، وخصوصاً أنّ عملية التغيير المجتمعي هي عملية طويلة ومعقدة، كما أنّها تتطلب جهود حثيثة ومتواصلة دون توقع نتائج فورية على السلوك العام للمجتمع. وبعيداً عن الدخول في تفاصيل رسم السياسات والخطط والمشاريع وتحديد الجهات الفاعلة كونها عملية تقنية تتطلب مختصين، يمكن القول أنّ عملية التغيير المجتمعي يجب أن تركز بشكل أساسي على تغيير النظرة المجتمعية للأدوار النمطية للإناث والذكور في المجتمع والأسرة، وتكريس شكل مختلف للعلاقة بين الجنسين يقوم على المساواة والمشاركة والاحترام المتبادل، ومن ناحية ثانية يجب أن يتم التركيز على نبذ العنف  ونشر المعرفة القانونية المناسبة  والتي تحقق هدفين أولهما تعريف المعنفات بحقوقهن وثانيهما تأمين الردع في مواجهة المعنفين.