القصيدة الفائزة بجائزة نورمان الماغوط للإبداع الأدبي وفق قرار لجنة التحكيم الخاصة

فازت قصيدة الشاعر الدكتور فراس الضمان بجائزة الإبداع الأدبي في المسابقة التي أعلن عنها مركز المواطنة المتساوية، تخليداً لذكرى الزميل المرحوم، تحت اسم: 

جائزة نورمان الماغوط للإبداع الأدبي بتاريخ 23 نيسان 2021.

وقد قرر فوز هذه القصيدة لجنة تحكيم مؤلفة من السيدة الأديبة رباب هلال والفنان التشكيلي يوسف عبدلكي والناقد المترجم ثائر علي ديب.

نرفق فيما يلي نص القصيدة الفائزة، يليها قراءة لجنة التحكيم للقصيدة، وتعليل سبب قرارها:

القصيدة الفائزة:

في حديقة بيتي الصغيرة

في حديقةِ بيتي الصغيرة
تحت شجَيرةِ الخوخِ الأحمرِ
رَتلٌ قصيرٌ من النَّملِ
_ قصيرٌ جداً من النَّمل _
في هذا الوقتِ من الصباح
يَعني الكثيرَ
فقد يعني مثلاً : أنَّ هناكَ حبَّةَ خوخٍ آيلَةٌ إلى السقوط ؟!
أو أنَّ حلزونَ الزنبقةِ الصفراءِ قد ماتَ أخيراً
أو أنَّ ملكةَ النَّملِ الأحمرِ
تتهيَّأ للاستحمامِ تحت صنبورِ الماءِ المكسورِ
و قد يعني أيضاً : أنَّ حرباً مع قبيلةِ النملِ الأبيضِ
ستَندلعُ بعد قليل ؟!
في هذا الوقتِ من الصباح
تحت شُجيرةِ الخوخِ الأحمرِ
في حديقةِ بيتي الصغيرةِ
رتلٌ قصيرٌ من النَّملِ
_ قصيرٌ جداً من النمل _
يَعني بالتأكيد
أنَّني مازلتُ قادراً 
مازلتُ مُستعِداً
أن أضعَ في إصبعِكِ الأبيضِ البعيدِ خاتَماً  
نعم...
خاتماً
حتى لو كانَ
خاتَماً مِن نملٍ !!.

قراءة لجنة التحكيم للقصيدة :

قصيدة نثريّة، لافتة بجِدّتَها، وعفويّتها، وبدقّة القول فيها وتكثيفه. تتراشق فيها لوحات بصريّة مختلفة، يتكرّر فيها اللونان الأحمر/الكفاح في الحياة، والأبيض/السلام والنقاء. أمامنا حياة عريضة تنبض في تكثيف فنّيّ لافت ولغةٍ بسيطة شفيفة، تواري ولا تفصح.

في بعد الشاعر عن حبيبته، لم تتوقّف الحياة عن الجريان. هنا، تمور حياة واقعيّةً، بتناقضاتها ومفارقاتها، بجمالها وقباحتها. في النص، تتالى التقابلات بانسيابيّة: الموت والحياة، المحتمل والمؤكّد. فوجود رتل قصير من النمل في الحديقة الصغيرة، والوقت صباحاً/ الأمل، قد يعني أموراً عديدة، وتعني " قد" هذه عدم التأكيد، وأنّ ماسيحدث يبقى قيد الاحتمالات:

حبّة خوخ على وشك السقوط عن شجيرة الخوخ الأحمر، ما يشير إلى أنّ الشجيرة رغم صغرها هي مثمرة. يقابلها، موت الحلزون أخيراً. وهذه الـ"أخيراً" تحرّك الصورة فلا تتركها ثابتة كموْتٍ، وعبرها يتحرّك انتباه القارئ وتساؤله: فممّا كان يعاني الحلزون؟ وكم من الوقت انقضى إلى أن مات، أخيراً؟  ثم يخبرنا أنّ الحلزونَ مات على الزنبقة الصفراء. زنبقة مزهرة حيّة! وثمّة أيضاً، صنبور الماء المكسور إنّما يصلح للاستخدم، فملكة النمل الأحمر تستحمّ تحته، وإذاً ثمّة بقيّة أمل ما! ثمّ هناك معركة متوقعة مع النمل الأبيض. حتى النّمل لديه حروبه ومعاركه! هذا عدا ما يرمز إليه النمل من  السعي والعمل الدؤوب، ما يسهم في تحريك المشهد.

مقابل تلك الاحتمالات والتكهّنات، ثمّة ما هو يقينيّ لدى الشاعر؛ فهوما يزال قادراً بل ومستعدّاً لأن يضع خاتماً في إصبع حبيبته الأبيض النقيّ في بعيدها، نقاء يدلّ على الثقة بها، مؤكّداً ذلك بمفردة واحدة هي: "نعم"، تعزّز صدق الشاعر في رغبته بالارتباط، كما تعّزز مشاعره الصادقة التي تعمّ القصيدة كلّها، وتلامس روح القارئ.  

  البعد عن الحبيبة والرغبة في الوصال، فكرة عاديّة ومستهلكة في تاريخ الشعر العربيّ، إنّما قدّمها الشاعر هنا في فضاء شعريّ جديد. وتمكّن بمهارة في سطور قليلة، وعبارات مثقلة بالدّلالات، وبقفلة مباغتة جميلة تمثّل بؤرة تنوير لما سبق كلّه، فماذا عن خاتم من نمل؟ أيعني ذلك أنّ الشاعر عاجز عن شراء خاتم حقيقي لفقره، مثلاً؟!

تمكّن الشاعر من إدهاشِ القارئ والتأثيرِ به، ومن دفعه إلى إعادة قراءة النص ثانية، تاركاً له حيّزه الخاص به/بالقارئ، لتساؤلاته واكتشافاته الممتعة وتأمّلاته.