دولة القانون في الدستور السّوريّ

دولة القانون في الدستور السّوريّ 2/3

المحامي فائق حويجة- مركز المواطنة المتساوية

 

قمنا في المرّة بنشر مقدمة هذا البحث المعنون بـ "دولة القانون في السّوري"  http://equalcitizenshipcentre.com/ar/page/%D8%AF%D9%88%D9%84%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%A7%D9%86%D9%88%D9%86-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D8%B3%D8%AA%D9%88%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%88%D8%B1%D9%8A-1-3

والآن سنقوم بإلقاء نظرة نقدية فاحصة على الدستور السوري الدائم الذي رأى النّور بصفته "دستوراً دائماً" عام 1973 بعد عشرات الدساتير المؤقتة بالاسم أو بالواقع، والتي فرضت على البلاد والعباد ، ابتداءاً من دستور"خط هامايون كل هانه" الموضوع أيام السّلطان عبد المجيد في ظلّ الدّولة العثمانية عام 1839، مروراً بدستور السّلطان عبد الحميد عام 1876، والذي كان هو الدّستور الأوّل الذي اتخذ شكلاً عصرياً متناسباً إلى درجةٍ ما مع تطوّر الفكر الدّستوريّ العالميّ آنذاك، والذي قضى بتحويل السّلطنة إلى "ملكية دستورية برلمانية" قبل إيقاف العمل به بعد سنتين من ولادته .. وصولاً للدّستور السّوري الجديد أو "دستور الأزمة" إن جازت التّسمية، والذي رأى النّور إبّان الأزمة السّورية عام 2012، والذي لايختلف في المضمون عن الدّستور الدائم إلاّ في تجاوزه المادّة الثّامنة من الدّستور الدّائم، والتي كانت تنصّ على أنّ (حزب البعث العربيّ الاشتراكيّ هو الحزب القائد في المجتمع والدولة، ويقود جبهة وطنية تقدمية، تعمل على توحيد طاقات جماهير الشّعب ووضعها في خدمة أهداف الأمّة العربية..)، إضافة لمحاولة الدّستور الجديد التخلّص من عبء الإيديولوجية القومية الاشتراكية التي كانت تُعشعش في ثنايا وديباجة الدّستور الدّائم، سوى ذلك، فإنّ دستور الأزمة 2012 أعاد إنتاج الدّستور الدّائم دون أيّ تغييرات لها معنى، إن لم يكن بالحرف، وهو، بحكم ظروف إنتاجه، محكومٌ بالفشل كونه يُعيد إنتاج الدّولة التسلّطية في ظلّ انقسامٍ مجتمعيّ حاد، وبذلك فهو فاقدً صفاته الأساسية باعتباره عقدٍ اجتماعيّ، وبرنامج عمل لما تطمح الأمّة أنْ تكونه.

 وبناءً على ذلك، سيتم البحث التّفصيليّ في الدّستور الدّائم 1973 باعتباره الأصل لـ "دستور الأزمة" من جهة، وباعتبار أنّ الأزمة السّورية، في أحد وجوهها، كانت بمواجهة هذا الدّستور باعتباره التّكثيف القانونيّ عن دولة تسلطية ركزت كافة السّلطات في قبضة السّلطة التّنفيذية ممثلة برئيس الجمهورية، ساحقةً كرامات وحريات البشر الذين يُفترض أنّهم مصدر وأساس كافة السّلطات. أيْ أنّ التّركيز سيتم على مضامين الدّستور الدّائم، ومدى مساهمته في بناء دولة القانون من عدمها. وبشكل أساسيّ في النقاط التالية: المشروعية، وفصل السّلطات، والرّقابة القضائية. لأنّ طريقة تناول هذه النّقاط دستورياً هو الذي يُمايز بيْن الدّولة القانونية، والدّولة التّسلطية أوالاستبدادية، دون التّفصيل في بقية المبادئ الدّستورية من مثل: مصادر التّشريع، والحقوق، والحرّيات، والقانون الانتخابيّ .. إلخ،على ضرورتها وأهميتها، لأنّ هذه الدّراسة وضعت نصب أعينها دراسة الدّستور السّوري الدّائم، واستطراداً، دستور الأزمة، من زاوية علاقة الدّستور بدولة القانون. لذلك يتوجّب علينا إلقاء نظرة فاحصة على الظّروف التّاريخية لولادة الدّستور الدّائم ومكوّناته، والتّعديلات الطارئة عليه، قبل البحث في مضامينه وخصائصه في النقاط الثلاث الرّئيسة المُحدّدة آنفاً: المشروعية، وفصل السّلطات، والرّقابة القضائية.

 

ولادة الدّستور الدّائم

بعد قيام الحركة التصحيحية في 16 تشرين الثاني 1970، عُيَّن أحمد الخطيب رئيساً للدّولة، وتسلّم حافظ الأسد رئاسة الوزراء، كما شُكّلت قيادة قطرية مؤقتة لحزب البعث العربي الاشتراكيّ أصدرت لاحقاً الدّستور المؤقّت لعام 1971، وهو ذات الدّستور المؤقّت لعام 1969، بعد أن أُدخلت بعض التعديلات عليه، وأُصدر وفق المرسوم 141 تاريخ 19/2/1971. كما قامت القيادة القطرية المؤقتة بتعيين 173 عضواً لمجلس الشعب، كلِّفوا بوضع دستور دائم للبلاد.

- في 12 آذار 1971 أُجري استفتاءٌ شعبيّ أصبح بنتيجته حافظ الأسد رئيساً للجمهورية.

- وفي 12 آذار 1973 عُرض الدّستور الذي وضعه مجلس الشّعب في الاستفتاء، فأقرّه الشّعب.

- ثمّ في 13 آذار 1973، صدر المرسوم رقم 208 الذي ينشر دستور الجمهورية العربية السورية ويعتبره نافذاً منذ تاريخ 13/3/1973، والذي عُرف باسم "الدّستور الدّائم".

 

مكونات الدّستور السّوري الدّائم

  1. يتألف الدّستور السّوري من /156/ مادة موزعة على أربعة أبواب ومقدمة.
  2. يتكوّن الباب الأول المعنون "المبادئ الأساسية" من أربعة فصول هي:

الفصل الأول: المبادئ السّياسية                     المواد من 1 إلى 12.

الفصل الثّاني: المبادئ الاقتصادية                           المواد من 13 إلى20.

الفصل الثّالث: المبادئ التّعليمية والثّقافية                  المواد من  21 إلى 24.

الفصل الرّابع: الحرّيات والحقوق والواجبات العامة     المواد من 25 إلى 49.

  1. يتكوّن الباب الثّاني المعنون "سلطات الدّولة" من ثلاثة فصول هي:

الفصل الأول: السّلطة التّشريعية           المواد من 50 إلى 82.

الفصل الثّاني: السّلطة التّنفيذية:  المواد من 83 إلى 130.

    1- رئيس الجمهورية.                     

    2- مجلس الوزراء.

    3- مجالس الشّعب المحلية.

الفصل الثّالث: السّلطة القضائية المواد من 131 إلى 148.

    1- قضاء الحكم والنّيابة العامّة.         

    2- المحاكم الدّستورية العليا.

  1. الباب الثّالث المعنون باسم "تعديل الدّستور" يتكوّن من مادة وحيدة /149/.
  2. الباب الرّابع المعنون باسم "أحكام عامّة وانتقالية" يتكوّن من المواد 150 إلى 156.

 

التعديلات الواردة على الدّستور

لم يتم إدخال سوى ثلاثة تعديلات على هذا الدّستور طوال فترة إعماله، بين 1973حتّى 2012 هي:

  1. التّعديل الأوّل: صدر بالقانون رقم 2 تاريخ 29/3/1980، وطال المادة السّادسة من الدّستور، حيث قضى التّعديل بأن: (تُعدل المادّة السّادسة من الدّستور، على الشّكل التّالي: المادّة السّادسة: يُبيّن القانون علم الدولة وشعارها ونشيدها والأحكام الخاصة بكل منها).
  2. التّعديل الثّاني: صدر بالقانون رقم 18 تاريخ 3/7/1991، وطال الفقرة الثّالثة من المادّة 84 من الدّستور والتي أصبحت:

مادة 84 – 3 (يتم انتخاب الرّئيس الجديد قبل انتهاء ولاية الرّئيس القائم في مدة لا تقلّ عن شهر واحد، ولا تزيد على ستة أشهر).

  1. التّعديل الثالث: صدر بالقانون رقم 9 تاريخ 10/6/2000، وطال المادة 83 من الدّستور، والتي أصبحت:

مادة 83: (يُشترط في من يُرّشح لرئاسة الجمهورية، أن يكون عربياً سورياً، متمتّعاً بحقوقه المدنية والسّياسية، ومتمّاً الرّابعة والثلاثين من عمره).