عرض قانوني خاص: احصل على الجريمة نفسها بنصف السعر

أفرزت الحرب آثاراً كبيرة في الحالة المادية والنفسية والاجتماعية والاقتصادية للأسرة السورية، مما خلق بيئة أسرية مليئة بالمشكلات، وصل كثير منها إلى حد الطلاق بين الزوجين.

تعددت الأسباب وحالات التفريق بتعدد تلك المشكلات، لذلك بات هناك ضرورة لتسليط الضوء على احدى تلك الحالات، والتي كانت سبباً في تشرد عائلات بأكملها. وهي سوء استخدام التكنولوجيا الحديثة، وقد أظهرت معظم الدراسات أن دخول الانترنت إلى البيوت، وكيفية استخدامه، قد ساهما إلى حد كبير في ارتفاع نسبة الطلاق. حتى أن كثير من المختصين الاجتماعيين يرون أن التكنولوجيا قد تؤدي إلى الخيانة الزوجية، كما ورد في عشرات التحقيقات والمقالات الصحفية التي استشارت خبراء وذكرت حالات (لم تصل لمرحلة تحديد النسب الموثقة بل تعتمد على الملاحظات) مشيرة إلى أن النساء من الفئة العمرية 30-50 سنة هن الأكثر استعداداً لخيانة أزواجهن بسبب الهواتف الذكية. في أحد الاستطلاعات (مجلة لها النسائية آب 2017) أقر 66% من المشاركين والمشاركات أن التكنولوجيا تساهم في خيانة بعضهم البعض، وعبرّوا أيضاً عن اعتقادهم أنها سيف ذو حدين.

خيانة أم ارتكاب؟

 الزنا أو الفحشاء هو مصطلح يشير الى إقامة علاقة جنسية بين رجل وامرأه دون زواج، ومعظم الأديان تحرّم الزنا وتفرض بحق مرتكبيه عقوبات تتفاوت بحسب التفاوت بين الثقافات والمجتمعات، بينما هناك العديد من الأشخاص يعارضون استخدام هذا المصطلح ويفضّلون "الجنس خارج العلاقة الزوجية"، ونظراً لكون جريمة الزنا ذات طبيعة خاصة، لا لكونها تمس بمصلحة الضحية من هذه الجريمة سواء كان الزوج او الزوجة فحسب، وإنما لكونها تمس كيان الأسرة والمجتمع، فان كافة الشرائع السماوية والقوانين الوضعية استهجنتها.

فرّق قانون العقوبات السوري بين زنا الزوج وزنا الزوجة، وذلك على عكس ما جاء في أحكام الشريعة الإسلامية التي لم تفرق بينهما.

إذ جاء في المادة 473 من قانون العقوبات السوري: "1- تعاقب المرأة الزانية بالحبس من ثلاثة أشهر الى سنتين.

2- يقضى بالعقوبة نفسها على شريك الزانية إذا كان متزوجا وإلا بالحبس من شهر إلى سنة.

3- فيما خلا الإقرار القضائي والجنحة المشهودة لا يقبل من أدلة الثبوت على الشريك إلا ما نشأ منها عن الرسائل والوثائق الخطية التي كتبها."

الزنا في الإسلام هو العلاقة الجنسية بين الرجل والمرأة خارج أي علاقة شرعية ارتضاها الله تعالى، ولا تتحقق حادثة الزنا إلا بحدوث وطء الرجل للمرأة.

قال تعالى في سورة النور "الزانية والزاني، فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين"

أحكام الزنا في الشريعة الاسلامية تطال المتزوج وغير المتزوج، ونصيب الأول الرجم حتى الموت، والثاني الجلد أو النفي أو السجن. علما أن الشريعة الاسلامية تضع شروطا شبه مستحيلة للتأكد من حقيقة حصول الزنا (كوجود أربعة شهود).مما يصعب تطبيق أحكامها.

والشرع وصف المتزوجَين بالمحصّن والمحصنة، وشدد عقوبتيهما في جرم الزنا، لأنه اعتبر أن الزواج يحصّن صاحبه من الضعف أمام الشهوات، إذ يلبيها بطريقة شرعية، وروح الشريعة هنا كان بالتساهل مع غير المحصّن/ة وتفهّم أنه بالإمكان أن تتغلب الشهوة على الإنسان الغير متزوج (رجلاً كان ام امرأة)، والأصل في الحدّ هو الشدة.

 

القانون السوري:

أما القانون السوري فقد فرّق في هذا الجرم بين الزوج والزوجة في عدة نقاط:

1- في العقوبة، حيث تعاقب الزوجة الزانية بالحبس من ثلاثة أشهر إلى سنتين، بينما يعاقب الزوج الزاني بالحبس من شهر إلى سنة.

2- في العقاب على الشريك، فشريك الزوجة الزانية يعاقب بذات العقوبة للزانية إذا كان متزوجا". أما إذا لم يكن متزوجا"، فالحبس من شهر إلى سنة. (وهي ذات عقوبة الزوج الزاني) بينما لم يفرق في عقوبة شريكة الزوج الزاني بالنسبة لذلك.

3- اشترط القانون لفرض العقاب على الزوج أن يكون الفعل قد تم في منزل الزوجية حصرا" بينما لم يشترط ذلك في عقاب الزوجة الزانية، وتُعاقب في أي مكان اقترفت فيه هذا الفعل.

4- اعتبر المشرّع السوريّ العقاب في هذه الجريمة حق للزوج، حيث يمكنه وقف تنفيذ العقوبة التي حكم بها على زوجته الزانية إذا قبل استئناف الحياة الزوجية معها.

5- فيما يتعلق بأدلة الاثبات، لم يشترط القانون أدلة خاصة على زنا الزوجة، بل ترك الأمر للقواعد العامة. حيث إنه لا يشترط في الأدلة على الزنا أن تكون مؤدية مباشرة لثبوت الزنا، بل للمحاكم أن تستعين بالعقل والمنطق لتستخلص من وقائع الدعوى وأدلتها ما يمكن الاطمئنان إليه للتجريم بهذا الجرم، حيث لا يشترط لثبوت الجرم مشاهدة الزوجة في حالة زنا بل يمكن استنتاج ذلك من خلال الوقائع والأمور التي تؤدي إلى ذلك باستخدام العقل والمنطق، وذلك يعود إلى قناعة القاضي.

أما ما اشترطته المادة ذاتها (437) من أدلة اثبات لتجريم الرجل الشريك فينحصر بالإقرار القضائي والجنحة المشهودة إلا ما نشأ منها مثل الرسائل والوثائق الخطية التي كتبها. والمادة تفرّق في العقوبة بين المرأة والرجل حيال فعل واحد. وكذلك في أدلة الإثبات، فهي على التحديد بالنسبة للرجل وعلى الإطلاق بالنسبة للمرأة. وكل هذا مخالف للمنطق القانوني والانساني، وللقواعد الحقوقية الأساسية حيال فعل واحد، والسبب في اشتراط قيام الزوجية كركن أساسي لجريمة الزنا هو أن القانون اعتبر هذا الجرم إخلالاً جسيماً بعقد الزواج المبرم بين الزوج وزوجته والغاية من العقاب عليه هي صون هذه العلاقة بينهما المتمثلة بالزواج الصحيح.

لا بد من الاعتراف بهذه الظاهرة ومعالجة الخلل في نصوص القانون التي أصبحت بعيدة عن واقعنا المتغير، لتكون متوافقة مع هذه المتغيرات.

لذلك، وانطلاقا" من هذه المفارقات التشريعية، وعملا" بمبدأ المساواة، وتحقيقا" لفكرة الردع العام والخاص، لا بد من تعديل النص القانوني وعدم التفريق بين الرجل والمرأة في العقاب وفي الادعاء وفي الإثبات، وذلك انسجاما مع أحكام الدستور في المادة 33: "المواطنون متساوون في الحقوق والواجبات لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة".

 

ريادة عربية

دول المغرب العربي هي الوحيدة التي تساوي بشكل كامل بين المرأة والرجل في عقوبة الزنا. إذ تنص المادة 236 من قانون العقوبات التونسي على "يحبس كل من الزوج أو الزوجة خمس سنوات مع دفع كفالة، ويعاقب شريك أي منهما بالعقاب المقرر للزاني".

المادة 339 من قانون العقوبات الجزائري: "الحبس من سنة إلى سنتين على كل امرأة أو رجل متزوج ثبت ارتكابهما فعل الزنا". مقابل عقوبة تتراوح بين سنة وسنتين في المغرب وفق المادة 491 عقوبات. أما بالنسبة لدول عربية أخرى، كالعراق والسودان والإمارات وفلسطين والأردن وسوريا ولبنان ومصر، فهناك تفريق وعدم مساواة بين المرأة والرجل.

كما رأينا تتقارب قوانين الدول العربية حول فعل الزنا، وخاصة أن هذه الدول لديها قيم وتقاليد مشتركة، بينما يختلف مفهوم الزنا في المجتمع الأوربي الذي هو الخيانة الزوجية فقط.

 

نابليون "المسترجل"

كان عقاب الزنا عند قدماء الأوربيين في غاية القسوة خصوصاً عند الجرمان والساكسون، فقد كانوا يشهّرون بالزانية ويعرضونها على العامة عارية الجسد ويضربونها بالسياط حتى الموت، ثم خففوا العقاب وجعلوا عقاب الزاني التغريب، وعقاب الزانية قطع الأنف والأذنين.

أما قدماء اليونان فكانوا يسلّمون الزاني لزوج الزانية يفعل به ما يشاء، من قطع الأطراف وحتى التمثيل به، ويحكمون على الزانية بالقتل، ثم خففوا عقابها وجعلوه التغريب.

جاء قانون نابليون مجحفا بحق المرأة، وكرَس وضع المرأة كملكية خاصة لزوجها "المرأة وأحشاؤها ملك للرجل" بحسب نابليون، فمنع عنها حقوقا" عديدة حصلت عليها بعد الثورة الفرنسية 1789. حقها في الطلاق والعلم والسفر والعمل دون إذن زوجها، وأعادها لرتبة القاصر، ووضعها تحت وصاية الأب وبعده الزوج، وصنّف مجتمع القرن التاسع عشر المرأة في فئتين: المرأة الشريفة والمرأة غير الشريفة.

وبالتالي فعلاقات الرجل خارج الزواج كانت مفهومة اجتماعياً وتعتبر طبيعية، بينما خيانة المرأة كانت جريمة، تؤدي إلى انحطاط العائلة والمجتمع، وهذا ما أعطى الصفة الجرمية لزنا المرأة مهما كانت ظروفها، بينما زنا الرجل لا يحاسب عليه إلا بمساسه بقدسية العائلة عندما يحصل في المنزل الزوجي.

إن إصلاح القوانين لا يكفي وحده لإلغاء التمييز، لا بد معه من إيجاد آليات وتدابير تحمي المرأة، منها التركيز على مناهج التربية والتعليم وبرامج الثقافة والإعلام وعلى ثقافة حقوق الإنسان التي هي حقوق المرأة والرجل معاً، وقيم المساواة بين الجنسين في الأدوار.