في حضرة نورمان الماغوط
رولا بغدادي- مركز المواطنة المتساوية
أيامٌ مضت و أنا أقاوم صمت رجل الشمال فأعاود قراءة بناته.. بنتاً بنتاً، و في كلّ مرّة أستهل رحلتي معه بمقطوعته «زعلي طول أنا و ياك».
طالما استمعت بشغف لنورمان عندما يروي حكايته معها، متوقفاً عند كل صورة، ساكباً من رهافة قلبه على أغنية فيروز.
و في كلّ رواية كان سرٌ من أسرار العاشق ينكشف كزر ورد انفتح ففاح حباً و حزناً و ماضي انقضى، لكن نورمان لا يتركه يرحل كي لا يلوذ بالفراغ، أليس هو من قال «براءة الذمة في الحب هي باقتراف المزيد منه.. بارتكاب الأخطاء والصفح و مواصلة المسير..».
يتسع قلبي وأنا ألاحق خفايا قصة عرفتها منه وعنه، وعيناه في كلّ مرة تتقدان أكثر و أكثر، إذ كان يستذكر الحب، كمن كان واقعاً به لتوه.
و يعيد المقطع الأثير على قلبه
«لو جيت نهار عبيتي لقيت
انك حبيبي بغيابي جيت
بتشوفن ما مرقوا إلا إيديك
على هالبيت
كأنك حبيبي أنت و عينيك
هلق فليت».
في رحيلك أعيد سماع أغنيتك، لربما حملتها روح هذا الكون إليك فتطرب لصوت معشوقتك، و لربما دندنتها فآنستك وآنستها.
ما حدث أن أفجعني فقدٌ حتى فقدتك، أنا الغريبة مثلك، الثكلى على وطن ينزف من عينيه؛ كنت صديقي، و كنت دليلي على عالمٍ ساحر أتشبث به، و برهاني على أنّ الجمال ما زال يلاقي دروبه لينبت عندنا رغماً عن كلّ هذا الخراب.
من أين كنت سأعلم يا صديقي أنك لن تنجو من الألم في قلبك، و أنك إذ يمّمت وجهك شطر الشمال فأنت ملاقيه.
أنا الفقيرة إليك، كنت أريد أن أتعلم منك كلّ شيء، كلّ شيء، فلمَ علمتني ما الفقد.
لا أعرف يا نورمان أين يرحل الحالمون، لكني أوقن أن ديدن الشعراء الغناء، و لنا نحن رجع الصدى، وأؤمن أنّ أرواح الشعراء القلقة لا تكف تذرع الوجود باحثةً عن المتاعب والمسرات.
وداعاً... يا جميل
وداعاً يا من لا أطيق في رحيلك عزاء و لا رثاء، و يغالبني شوقي لك، و قلب يلوذ من غيابك إليك ويناجيك..
«ياريتك مش رايح ياريت بتبقى..... بتبقى ع طول»
(*اللوحة للفنان منير الشعراني: وحبوب سنبلة تجف ستملأ الوادي سنابل- محمود درويش)