يتمنّعن ولسن براغبات جريمة الاغتصاب الزّوجي بين الفهم الخاطئ وصعوبة الإثبات

يتمنّعن ولسن براغبات

جريمة الاغتصاب الزّوجي بين الفهم الخاطئ وصعوبة الإثبات

 

  المحامية اعتدال محسن – مركز المواطنة المتساوية

 

جلست أمامي مضرجة اليدين مهلهلة الثياب، لم أفرح لهذه الزيارة واستغربت المسافة التي قطعتها هائمة على وجهها، بعد أن قام زوجها بشدّ وثاقها بمساعدة أمه ليسهل عليه معاشرتها جنسياً بسبب تمنّعها عنه. بنت الثانية عشرة التي توفي والدها وتزوجت أمّها وتركتها لعمتها لتربيها مع أولادها، كانت تلعب مع الصغار وتلهو راكضة وراء الدجاج والخراف ونظرات ابن عمتها ذي الثلاثين تفترسها ملتهمةً كلّ تفاصيل جسدها، تعقبها نظرات العمّة بسرور وإصرار. عُقد قرانها وهي تلهو فوق شجرة، نادتها عمتها قائلة: أحضرت لك هدايا من المدينة. جاءت تقتفي أثر الهدايا، فستان واشارب وحذاء مطاطي أفرحَ قلبها الصغير. أُدخلي جربيها عند ابن عمتك. وأُغلق الباب. وأُغلق باب المرافعة، وصدر الحكم ببطلان الزواج لأنه تمّ دون ولي (جدها العجوز المتهالك) وبسبب السحجات والجروح التي كانت على جسدها حكم على ابن عمتها (زوجها) بالحبس البسيط ولكنّ أهل النخوة وحرّاس التقاليد تدخلّوا: "إنه زوجها على سنة الله ورسوله وقد قضى وطره، وهذا حقّه عليها" فأُفرج عنه، وحُلّت سلمياً، وتوالت القصص.

 

المرأة في التفاسير الفقهية

حين خلق الله الرّجل والمرأة خلقهما متساويين بالأجر والثواب، والجزاء والعقاب. ونصّت كلّ الشّرائع على أنّ النّاس سواسية كأسنان المشط، ولم يُفرض على مخلوقٍ طاعةً في معصية الخالق.

﴿إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا﴾35 الأحزاب

وبمعزلٍ عن كلّ التطورات الدنيوية التي حصلت، فإنّ الزواج واقتران رجلٍ بامرأة أمرٌ قائمٌ على الرّضا والقبول ورغبةٌ في المعيشة المشتركة، قائمٌ على المودّة والرّحمة والحياة الجنسية التي هي الطريقة الوحيدة لاستمرارية الحياة والنسل الإنساني. وقد اختلف الفقهاء في تفسير العلاقة الجنسية بين الرّجل والمرأة في إطار العلاقة الزوجية، فمنهم من قال أنّ المرأة والرّجل متساويين في الحقوق والواجبات، ولا تمييز بينهما ولا اختلاف. ومنهم من قال أنّ المرأة ذات حقوقٍ ولكنّ الأفضلية دائما للرّجل لأنّ الأديان والحياة الاجتماعية فضّلت الرّجل على المرأة لما حباه الله بصفات لا توجد بالمرأة، لذلك فهي تابع للرّجل ومحمية منه وله، وحقوقها أقلّ من حقوقه. ومنهم من قال أنّها حربُ خضوعٍ وإجبار من قبل الرّجل تجاه المرأة، لأنّ المرأة ناقصةُ عقلٍ ودين وخلقت من ضلعٍ أعوج.

وجاءت الإشكالية من اختلاف تفاسير نصّ الآية 34 من سورة النّساء ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ۚ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ ۚ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ۖ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرا﴾.

 

وللرّجال عليهنّ درجة

جاء في تفسير هذه الآية أن لا إشكالية في طاعة الزوجة لزوجها فهي واضحة وبعيدة كلّ البعد عما يأتي به كلّ تأويل. فالرّجل مفضّلٌ على المرأة في صحيح الكتاب والسنة، لذلك وجب على المرأة اتباع كلّ السبل والطرق التي تسعد بها زوجها، وخاصة في علاقتهما الحميمة كارهةً كانت أم راضية. فإن استجابت ثيبت واستحقت رضا زوجها الذي هو سبب إدخالها الجنة.

عن أم سلمة (أيمّا امرأة ماتت وزوجها راضٍ عنها دخلت الجنة) وإن تمنّعت أُرغمت وحقّ عليها عذاب الدّنيا والآخرة، ولعنتها حور عين الجنّة. وعن معاذ ابن جبل (لا تؤذي امرأة زوجها في الدّنيا إلاّ قالت زوجته من الحور العين: لا تؤذيه قاتلك الله فإنّما هو عندك دخيل يوشك أن يفارقك إلينا).

وورد كذلك أن إتيان الرّجل زوجته صدقةً منه ويُثاب عليه ويعادل صلاة سبعين نافلة عن ابي ذر (إنّ في بضع أحدكم صدقة) فإتيان الرّجل زوجته بالحلال صدقة لأنّه إن وضعها بالحرام كان آثماً، فهي بذلك تعفّه وتساعده على طاعة الله وحفظ الفرج وتحصين نفسها، حتّى وإن كان له أكثر من زوجة. فإذاً، وبأية حالة وُجدت عليها المرأة، فلا يحقّ لها أن تحتج بتعبٍ، أو وهنٍ، أو عدم رغبةٍ، أو أيّ عملٍ من أعمال الحياة اليومية ﴿نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنّى شئتم﴾ (النساء 223) إلاّ في الحالات التي نصّ عيها القرآن صراحةً، ولكن ذلك لا يمنع الرجل من الاستمتاع بالمرأة، فعند الحيض والنّفاس يمكن للرجل أن يعتزل المرأة ﴿ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النّساء في المحيض﴾ (النساء 222) ولكن ذلك لا يمنعه من الاستمتاع بها دون ولوج. وبموجب ذلك تُجبر المرأة على طاعة زوجها، فإذا ناداها لبته ولو كانت على تنور، وفي حديث آخر لو كانت على قتب (إذا دعا الرجل زوجته لحاجته فلتأته ولو كانت على التنور) فإن رفضت قيّض الله ملائكته تلعنها حتّى تصبح (إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت لعنتها الملائكة حتى تصبح) ولعنتها الحور العين في الجنّة التي تنتظر وصوله.

 

إن هجرها قوّم سلوكها، وإن أجبرها أخذ حقّه

في المقابل، فإن كلّ ما سلف "حسب المرويات وحسب الفقه الإسلامي لا ينطبق على الرجل، حيث أنه ليس مسؤولاً عن تلبية رغبات زوجته متى رغبت في ذلك، إذ يجب أن تُراعى حالته النفسية ورغبته في كلّ شيء على خلاف المرأة تماماً. فذهب ابن كثير في تفسيره للآية 34 من سورة النّساء إلى أنّ المرأة التي يخاف الرّجل من نشوزها يهجرها في المواقعة ولا يهجرها في الفراش حتّى تتعذّب وتتأدّب ويتقوّم سلوكها. وفي تفسير آخر عن ابن عباس يعظها، فإن هي قبلت وإلاّ هجرها في المضجع لا يكلّمها من غير أن يذر نكاحها فإن ذلك عليها شديد. إلاّ أنّ القرطبي والطبري ذهبا أبعد من ذلك فقال القرطبي عن ابن عباس أن شدوهنّ وثاقاً في بيوتهنّ من قولهم هجر البعير أي ربطه بالهجار وهو حبل يُشدّ به البعير. وجاء في تفسير الطبري استوثقوا منهنّ رباطاً في مضاجعهنّ. وأجمعت جميع التفاسير الفقهية على أنّ الهجر هو الاغتصاب والمخاصمة.

النّساء من وأد التّابوت إلى وأد البيوت

 فليس للمرأة أن تتصرّف وكأنّ لها بجانب الرّجال ما يوحي بنفوذٍ أو قدرة، فقد حُرّم على المرأة الحديث دون إذن من زوجها (نهى النساء أن يتكلمن إلاّ بإذن أزواجهن(، كما حُرّم عليهنّ الخروج إلاّ بعذرٍ قاهر و(ليس للنّساء نصيب في الخروج إلاّ مضطرة، إلاّ في العيدين: الأضحى والفطر) وإذا خرجن يلتمسن المكان يبتعدن عن منتصف الطريق درءاً لعيون الرّجال. وليس لهنّ نصيبٌ في الطرق إلاّ الحواشي (وليس للنّساء وسط الطريق)، كما حُرّم السّلام عليهن و(ليس للنّساء سلامٌ ولا عليهنّ سلام) فالمرأة سفيهة والسفيه مكانه النّار والعقاب (المرأة المؤمنة في النّساء كالغراب الأعصم في الغربان. فإنّ النّار خُلقت للسّفهاء، وإنّ النّساء أسفه السّفهاء). وإذا أرادت المرأة النّجاة فعليها إطاعة الزّوج وتسليمه نفسها يفعل بها ما يشاء، وإذا أرادت المرأة أن تبُرئ نفسها من هذه التهمة عليها أن تخدم زوجها (للمرأة ستران: القبر والزوج. قيل: فأيهما أفضل؟ قال: القبر)، فنجاة المرأة طاعة زوجها طاعة الأعمى لمن يقوده. وهي هنا الأعمى، وزوجها العينان اللتان ترى بهما الحياة ومن خلالهما يكون صلاحها (فلو كان الرّجل من أخمص قدمه حتّى رجليه جرحاً ينزّ قيحاً ودماً ولعقته المرأة ما أوفت الرّجل حقّه عليها).

واضربوهنّ

﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ۚ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ ۚ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ۖ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرا﴾. سورة النّساء الآية 34.

خُلقت المرأة من ضلعٍ أعوج فلا صلاح لحالها ولكن وجب تأديبها وتقويم سلوكها وإلاّ فالضرب هو الحلّ الأخير، وفسر أحدهم أنّ المرأة تمتلك سلاح الأنوثة، وبه تستبدّ وتتجبّر، ولذلك وجب على الزّوج كسر ساديتها المتمثلة بأنوثتها، فعليه أن ينالها وقتما يشاء وحيثما شاء، فإن تمنّعت تُضرب وتُؤدّب، وهذا يُعجب المرأة ذات الطبيعة الأنثوية العجيبة، فقد رُوي أنّ عمر بن الخطاب صفع زوجته صفعةً ألصقت خدّها بالأرض لأنّها طلبت منه ما لا يُطيقه. ولكن لا بأس أن تلطف فلا يُصفع وجها ولا يُضرب ضرباً مبرحاً (لأنّ الله خلق الإنسان على شاكلته)، فالمرأة متاع الدنيا والأُسوة الحسنة، وقد قيل ما الأُسوة الحسنة؟ قال المرأة الصالحة. وبما أنّ المرأة ناقصة عقلٍ ودين وقد فضّل الله الرّجل على المرأة بالقوّة وزنة العقل والقدرة على تحمّل مشاكل الحياة وصعابها، فقد عفاها من كلّ ذلك، وفرض عليها حبّ الرّجل وطاعته فقط، بل وكانت (جنّتها زوجها).

القوامة ليست حكرا على الرجل

يقول الدكتور محمد شحرور في مقال له (لا تضربوهنّ باسم الإسلام): "رغم أنّ ظاهرة العنف ضدّ المرأة وضرب الزوجة قد تكون موجودة في كلّ المجتمعات، مهما كان دينها ودرجة تحضّرها، إلاّ أنّ المستهجن هو استناد المسلمين (بالمعنى الشائع) على الإسلام في ذلك، واعتبار ما يفعلونه مبررًا بموجب دينهم، إن لم يكن محبّذًا، فالرّسول وفق قناعتهم لو كان أمر أحدًا بالسجود لغير الله، لأمر المرأة أن تسجد لزوجها، ومع أنه برأيهم أوصاهم الرّفق بالقوارير".

لكنّ القوامة حسب رأيه ليست حكراً على الرّجال وإن كانت حكراً على الرّجال لما قال الله تعالى في كتابه العزيز:﴿بما فضّل بعضهم على بعض﴾ ولو كان يقصد الرّجال بالتفضيل لقال (بما فضّل بعضهم على بعضهنّ) وهو القرآن الذي أتى إعجازاً باللّغة العربية. وبذلك تكون الكفاءة هي المقياس الأساسي في القوامة، فيمكن أن تكون القوامة للأمّ، أو الأخت، أو الزوجة. والنشوز يكون في هذه الحالة بالتسلّط، والاستبداد بالقوامة، فإن كانت أمّاً أو أختاً فالموعظة والنّصح هو الحلّ، وإن كانت زوجةً فالهجر والمخاصمة هو الحلّ. فإذا كانت القوامة للمرأة واستبدّت برأيها وتسلّطت، ضُرب على قوامتها وسُحبت منها، ممّا يستدعي تدخّل الأهل في حال كانت زوجة {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاَحًا يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا} (النساء 35) ولو كان الزّوج في هذه الحالة يملك من أمره شيئًا لطلقها، لكنّه في موقفٍ ضعيف، سواء مادّيًا أم اجتماعيًا، أي أنّ الآية خاصّة فقط بحالة القوامة بيد المرأة، ولم يأتِ الضّرب بمعنى الضّرب والأذى الجسدي، وإنّما أتى بالمعنى المجازي، ويُقصد به هنا الانفصال والمباعدة. وهناك أمثلة كثيرة في القرآن عن المعنى المجازي للضّرب ﴿واضرب لهم مثلاً أصحاب القرية﴾، ﴿وضرب لنا مثلاً ونسي خلقه﴾، فلو كان المقصود بالضّرب الفعل الفيزيائي للأذى لكان استخدم الكلمة الدّالة على الفعل، ومن الأمثلة:﴿فوكزه موسى﴾، ﴿أهشّ بها على غنمي﴾ لذلك لا يُقصد الضرب هنا، ولكن اتخاذ موقفٍ صارمٍ، ولا علاقة للموضوع بالفعل أو الإجبار الجنسي. علماً أنّ الضّرب الفيزيائي قد ذكره الله تعالى في التّنزيل مع الأداة ﴿وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ (البقرة 60)، أو عبّر عنه بتخصيصٍ أدقّ {فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ} (القصص 15) حيث "وكزه" تعني "ضربه بجمع الكفّ"، إضافة إلى أنّ "ضرب" تأخذ معاني عدّة كالسّفر {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصَّلاَةِ} (النساء 101)، أو "ضرب الأمثال": {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ} (يس 78).

 

المرأة بين النّشوز والضّرب

قال عبد الجبّار العبيدي في (حقوق المرأة وقوانين الأحوال الشخصية متى نعيد النظر بها):

كلمة النّشوز تعني الكراهية بين الزوجين قال تعالى:﴿واللاتِ تخافون نشوزهن﴾ والنّشوز هنا يعني استعصاؤها على زوجها لسبب من الأسباب، أو نشز هو عليها نشوزا ًكذلك، لذا قال الحقّ:(وإن امرأة خافت من بعلها نشوزاً أو إعراضاً﴾. وقيل في الحديث النّشوز هو الكراهية بين الزوجين لأسباب معينة. لأن اليد هي وسيلة السحب لا الضرب، لأنها مشتركة بين الاثنين، والضرب في الآية الكريمة لا يعني العنف أبداً، بل يعني سحب القوامة من أيديهن (في لسان العرب، كلمة ضربَ تعني السحب)، ويجب علينا وعلى المشرعين نزع فكرة الضرب بالعنف لإحلال التفاهم والمجادلة للوصول الى أفضل الحلول. والآية الكريمة واضحةٌ تماماً حين تقول ﴿فلا تبغوا عليهنّ سبيلا﴾، أي لا تدعوا فرصة إيجابية إلاّ واغتنمتموها من أجل الوفاق والعيش الكريم، والآية الكريمة لا تفسّر إلاّ لصالح الإنسان الذي أعزّه الله وجعله في موقع التكريم ﴿وكرّمنا بني آدم﴾، والرّسول(ص) قال حينما رأى الناس يضربون الإماء (لا تضربوا أماء الله).

وقول الرسول الكريم (وما أكرم النّساء إلاّ كريمٍ، ولا أهانهنّ إلاّ لئيم، يغلبن كلّ كريم ويغلبهنّ لئيم، وأنا أحبّ أن أكون كريماً مغلوباً من أن أكون لئيماً غالباً). ألم يتزوج الرّسول الكريم من امرأة فلما رآها وحاول تقبيلها قالت أعوذ بالله منك فقال لها (قد عذت بمعاذ وردّها الى أهلها). وتلك التي طلبت من الرّسول تطليقها من زوجها لأنّها تكرهه كما تكره الكفر بالإسلام فقال لها ردّي عليه حديقته، وكان قد أهداها حديقة، فردّتها وطلّقها.

 إنّ العلاقة الزوجية يجب أن تكون قائمة على المودّة والرّحمة التي جعلها الله بين الزوجين، قال تعالى في سورة الرّوم الآية 21 ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً ورَحْمَةًۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾.

 

تجاهل القانون وصعوبة الإثبات

 ورد في الفقرة الأولى من قانون العقوبات السّوري المادة 489 (من أكره غير زوجه بالعنف أو التهديد على الجماع عوقب بالأشغال الشاقة خمس عشرة سنة على الأقل). وهذا خيرُ دليلٍ على تجاهل القانون تجاهلاً تامّاً لموضوع الاغتصاب الزّوجي حيث أنّ العلاقة الجنسية بين الزوجين مرتبطة حتماً بالفعل الجنسي المحلّل وفق عقد الزّواج الذي أباح للرّجل وفق الشريعة الإسلامية إتيان الزوجة في أي وقت وكيفما شاء. بالإضافة إلى حياء المرأة وخوفها من العار، الأمر الذي لا يسمح لها بشرح أو إخبار ما يحصل معها خوفاً من التّحريم الدّيني واللّوم الاجتماعي.

وما بين الثاّلوث المحرّم: الدّين والقانون والتقاليد، لا زالت المرأة تغيب وتضيع بشكلٍ أكبر ممّا ضاعت به السّفن في مثلث برمودا دون منارة مرشدة في عجاج البحر العظيم من الظلم والجحود بحقوق المرأة.